في الذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو، أصدر القاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، الجزء الخامس من دراسته بعنوان "التاريخ السري لتنظيم استخدم الدين لهدم الدولة"، مسلطًا الضوء على كيفية تعامل الدول والمجتمعات مع تنظيم الإخوان الإرهابي، من مرحلة الحظر القانوني وصولًا إلى التفكيك الفكري والمنهجي.
أوضح الدكتور خفاجي أن التعامل مع التنظيم جاء نتيجة فهم عميق لتاريخه وأخطائه، وهو ما يشكل الأساس لبناء مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة. وأشار إلى أن عددًا من الدول، وفي مقدمتها مصر، صنفت الجماعة تنظيمًا إرهابيًا بعد تورطها في سلسلة من أعمال العنف. ففي عام 2013 صدر حكم قضائي باعتبارها منظمة إرهابية، تلاه مصادرة ممتلكات الجماعة وتجميد أموال قياداتها، وملاحقة مئات العناصر قضائيًا بتهم تتعلق بالتحريض على العنف والانتماء لتنظيم محظور. كما تم حل حزب الحرية والعدالة في عام 2014، وأعقب ذلك إصدار تشريعات تجرم التنظيمات الإرهابية وتضيق الخناق على تمويلها وتحركاتها.
وفي دول الخليج، أعلنت كل من السعودية والإمارات والبحرين الجماعة تنظيمًا إرهابيًا عام 2014، وتم حظر الجمعيات التابعة لها، مع اتخاذ إجراءات أمنية مشددة لملاحقة الممولين والداعمين لها، في إطار الحفاظ على الأمن القومي.
أما على الصعيد الأوروبي، فرغم غياب الحظر الرسمي في معظم الدول، إلا أن أجهزة الأمن في ألمانيا وفرنسا والنمسا وبريطانيا أصدرت تقارير استخباراتية حذرت من خطر التغلغل الإخواني، وفرضت قيودًا رقابية صارمة على بعض الجمعيات التابعة للتنظيم، وشهدت النمسا وفرنسا حظر أنشطة معينة بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية التي تأثرت بخطاب الجماعة.
وأكد خفاجي في دراسته على أهمية تفكيك الخطاب الإخواني كجزء من المواجهة الشاملة، مشيرًا إلى أن مؤسسة الأزهر بدأت جهودًا منهجية لاستعادة الخطاب الديني الوسطي، من خلال تفنيد مفاهيم سيد قطب، وخاصة أفكار "الحاكمية" و"التكفير" و"الجهاد السياسي". كما لفت إلى بروز أصوات شبابية داخل المجتمعات الإسلامية تنادي بضرورة فصل الدين عن الصراع السياسي، وانتشار مراجعات فكرية من عناصر منشقة عن الجماعة، انتقدت بنيتها التنظيمية المغلقة ونهجها العقائدي المتشدد.
وسلط الضوء على الدور الحيوي الذي لعبه الإعلام والدراما في كشف طبيعة التنظيم، حيث وثقت مسلسلات مثل "الاختيار" شهادات حقيقية لضحايا الإرهاب، وأظهرت الواقع الدموي للجماعة، ما ساهم في تغيير نظرة شرائح من المواطنين الذين كانوا يتعاطفون مع الإخوان.
وأشار خفاجي إلى أن التنظيم شهد انقسامات حادة منذ عام 2015، بعد انشقاقه إلى جبهتين: "جبهة إسطنبول" ذات التوجهات المتشددة والمدعومة خارجيًا، و"جبهة لندن" التي تميل إلى المراجعات الفكرية وترفض العمل المسلح. هذا الانقسام أدى إلى انهيار المركزية داخل الجماعة، وانفصال عدد من الكوادر الشبابية، وبدء تبادل علني للاتهامات بين الأجنحة حول الفساد والعمالة.
وأوضح أن المواجهة لم تكن أمنية أو قانونية فحسب، بل شملت الجوانب الفكرية والاجتماعية أيضًا، ومع انكشاف جرائم التنظيم، تراجعت قدرته على التجنيد والتأثير، وهو ما اعتبره تمهيدًا لنهاية دوره التقليدي في المنطقة.
وفي ختام الدراسة، شدد الدكتور خفاجي على ضرورة تعزيز الخطاب الديني المعتدل، الذي يفصل الدين عن السياسة ويمنع استغلال العقيدة لأهداف حزبية. كما أكد أن الجماعة منذ تأسيسها سعت لبناء دولة موازية داخل الدولة، مستغلة الدين كأداة للهيمنة، وأن فترة حكمها القصيرة (2011-2013) كشفت محدودية كفاءتها الإدارية ونزعتها السلطوية المغلفة بخطاب ديني.
وأشار إلى أن التنظيم بعد سقوطه لجأ إلى العنف كوسيلة لإعادة فرض نفسه، وبنى شبكة دولية تمولها قوى خارجية أبرزها تركيا وقطر، معتمدًا على خطاب مزدوج وتأويلات دينية متغيرة تخدم أجنداته السياسية. واختتم بتوصيات تدعو إلى مراقبة التمويل الخارجي، والتصدي للتدخلات الدولية التي تهدد استقرار الدول، وتعزيز دور المؤسسات الديمقراطية، ودعم الإعلام والتعليم في مواجهة الفكر المتطرف وحماية الأمن الداخلي.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
