أخبار عاجلة

الذكاء الاصطناعي في تزييف الفيديوهات يربك الحقيقة بمناطق النزاعات

الذكاء الاصطناعي في تزييف الفيديوهات يربك الحقيقة بمناطق النزاعات
الذكاء الاصطناعي في تزييف الفيديوهات يربك الحقيقة بمناطق النزاعات

في خضم تسارع انتشار المقاطع المصورة بالتزامن مع اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران، غزت منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات توحي بأنها توثّق لحظات حقيقية من قلب المواجهات، غير أن التدقيق في عدد منها كشف أنها مفبركة أو مُنتجة بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي، في مقدمتها أداة “Veo 3” المطوّرة من طرف شركة “غوغل”.

هذا المستجد الرقمي أثار مخاوف واسعة من توظيف الذكاء الاصطناعي كأداة تضليلية في سياقات النزاع، وفتح المجال أمام حملات دعائية تسوّق مشاهد زائفة تحاكي الواقع بدقة، تُربك المتلقي وتهزّ مصداقية المحتوى البصري المتداول.

وقد بات توظيف الفيديوهات المصممة بالذكاء الاصطناعي، في مقدمتها تلك المنتَجة عبر تقنية “Veo 3″، يشكّل تطورًا مقلقًا في سياق الحرب الإسرائيلية-الإيرانية. فمع توفر هذه التقنية عبر منصات مفتوحة مثل “YouTube Shorts” و”Canva”، لم يعد إنتاج مشاهد توحي بالحقيقة حكرًا على مؤسسات متخصصة، بل أصبح متاحًا لعامة المستخدمين، ما يضاعف حجم الإرباك البصري الذي يشهده الفضاء الرقمي، ويزيد من صعوبة فرز الوقائع الحقيقية عن الصور المصطنعة، في نزاع لا تخاض فيه المعارك بالسلاح فقط، بل بالصورة أيضًا.

منهجية دقيقة

قالت ياسمين اللعبي، خبيرة في التحقق بوكالة فرانس برس، إن الكشف عن الفيديوهات المصممة بالذكاء الاصطناعي لا يمكن اختزاله في أداة واحدة وسريعة، مؤكدة أن العملية تتطلب منهجية دقيقة تجمع بين أدوات تقنية وتحليل بصري دقيق. وأبرزت في هذا السياق أهمية الاعتماد على برامج مثل “Forensically” لاستخراج البيانات الوصفية، و”Invid” لتفكيك الفيديو وتحليل مشاهده، بحثًا عن مؤشرات تقنية مثل تشوهات في الأصابع، أو الأسنان، أو الشعارات، بالإضافة إلى اختلالات الظلال والانعكاسات.

وأضافت اللعبي، في تصريح لهسبريس، أن تحليل حركة الأجسام والإضاءة قد يكشف عن تفاصيل غير واقعية، من قبيل رمش العين أو انتقال غير منطقي للضوء، وهو ما يمكن أن يشير إلى تدخل تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي. وشددت على أن من بين الخطوات الأساسية في التحقق، مقارنة الفيديوهات المشكوك فيها بمقاطع موثوقة من مصادر إعلامية رصينة أو من توثيقات شهود عيان.

واستحضرت في هذا الصدد التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل، مشيرة إلى أن أي فيديو يُزعم أنه يوثق دمارًا لدى أحد الطرفين، يجب أن يُقابَل فورًا بالتحقق من وجود توثيق بديل أو مضاد، لتفادي الوقوع في فخ التضليل.

وأكدت الخبيرة في تصريحها لهسبريس أن عمليات التحقق قد تستغرق من دقائق إلى ساعات، حسب تعقيد الحالة، لكنها تزداد صعوبة مع التطور السريع الذي تعرفه أدوات التزييف البصري. وبخصوص أدوات المساعدة التقنية، أوضحت أن هناك توجهًا فعليًا لدى المتخصصين وشركات التكنولوجيا نحو تطوير حلول جديدة، غير أن الصحافيين المتخصصين لا يزالون يعتمدون بشكل أساسي على مهاراتهم التحليلية، نظرًا لكون الأدوات المتاحة حاليًا لا تزال في طور التجريب، ولا توفر نتائج دقيقة أو كافية لحسم صدقية المحتوى.

مشاكل وحلول

يرى الصحافي مدقق البيانات الأردني وائل أبو فارس أن انتشار أدوات مثل “Veo 3” يُجبر الصحافة التقليدية والرقمية على مراجعة آليات عملها، مضيفا أن “المحتوى الزائف أصبح أكثر إقناعًا من ذي قبل، ولم يعُد من السهل فضحه دون أدوات تقنية متقدمة وفرق تحقق متخصصة”. واعتبر أن الاستخدام الموجه لهذه الفيديوهات في الحروب هو “وجه جديد للدعاية”؛ إذ تُنتَج مشاهد كاملة تدعم رواية معينة، ثم تُنشر كحقائق في بيئة رقمية تعاني أصلًا من ضعف الثقة وتضخّم الأخبار الملفقة. كما حذّر من أن “المعركة المقبلة ستكون حول من يملك القدرة على سرد القصة المصورة، وليس فقط من يملك الحقيقة”.

وأشار أبو فارس، في تصريح لهسبريس، إلى أن خطورة هذه التقنية لا تكمن فقط في نوعية المحتوى الذي تنتجه، بل في السرعة الهائلة التي تنتشر بها عبر المنصات الاجتماعية، موضحا أن “الزمن الذي كان يسمح بتفنيد المزاعم قبل أن تصل إلى الجمهور العريض قد ولّى، واليوم نجد أنفسنا أمام مقاطع تنتشر بعشرات آلاف المشاركات في أقل من ساعة، قبل أن يتاح لأي جهة إعلامية أو تدقيقية أن تتدخل”. وأكد أن “Veo 3” “تنقلنا إلى مرحلة يصبح فيها التحقق استباقياً وليس لاحقاً، وتتطلب تكاملاً بين الخوارزميات والكوادر البشرية المدربة على تحليل السياق ومصدر المعلومة”.

وقدم وائل أبو فارس، في تصريحه، مجموعة من الحلول التقنية لمواجهة التحديات المرتبطة بانتشار الفيديوهات المصممة بالذكاء الاصطناعي. واعتبر أن من أبرز هذه الحلول “تطوير أنظمة كشف تلقائي قادرة على رصد الفيديوهات المولدة بالذكاء الاصطناعي، ودمجها ضمن بنيات النشر الكبرى، لتنبيه المستخدمين تلقائيًا إلى المحتوى المشكوك فيه”. كما شدد على أهمية “تعزيز قدرات الصحافيين والناشرين في التعامل مع هذا النوع من المواد، عبر تدريب متخصص وأدوات تقنية فعالة”. وأكد أن المقاربة التقنية تظل اليوم الأكثر إلحاحًا للحد من تمدد التضليل البصري في بيئة إعلامية سريعة التقلب.

واعتبر المتحدث ذاته أن من بين أكثر الحلول نجاعة في الوقت الراهن، “الاعتماد على بصمات رقمية مدمجة (Metadata signatures) داخل كل مقطع فيديو يتم توليده بالذكاء الاصطناعي، بحيث يمكن للأنظمة التلقائية والمنصات الاجتماعية التعرف فورًا على مصدر الفيديو وما إذا كان ناتجًا عن أداة توليد مثل Veo 3 أو غيرها”. وأشار إلى أن بعض الفرق البحثية تعمل حالياً على تطوير خوارزميات لتحليل الفيديو إطارًا بإطار (Frame-by-frame)، بهدف رصد نمط التوليد الاصطناعي من خلال تكرار التفاصيل الدقيقة أو التناسق غير الطبيعي في الإضاءة والظل، معتبراً أن “توفير هذه الأدوات للصحافيين والمراقبين سيساعد في إنشاء جدار وقائي ضد فوضى الفيديوهات المفبركة التي باتت تستخدم كسلاح إعلامي أكثر فتكا من المقالات أو الصور المفردة”.

واسترسل أبو فارس موضحا أن واحدة من أبرز المقاربات التقنية التي يجري العمل عليها حاليًا هي إنشاء “بروتوكولات معيارية” لتمييز الفيديوهات الحقيقية عن تلك المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي، عبر ما يُعرف بـ”الوسم التلقائي للمحتوى” (Content Credentials)، وهي خاصية يتم تضمينها مباشرة في “الكود المصدري” للفيديوهات لتكشف هوية الأداة المستخدمة في الإنتاج، وتاريخ الإنشاء، وسجل التعديلات. ولفت إلى أن هذه التقنية، التي تدعمها كبرى المؤسسات الإعلامية وشركات الذكاء الاصطناعي مثل “Adobe” و”Google”، من شأنها أن تُحدث فرقًا جذريًا في معركة المصداقية، شريطة إلزام الفاعلين الرقميين بدمجها ضمن معايير النشر. كما أشار إلى ضرورة تعميم أدوات الكشف التلقائي داخل غرف الأخبار، وربطها بمنصات تحليل فوري تعتمد على “machine learning”، تُنبّه الصحافيين لأي مقطع مشكوك فيه لحظة استلامه أو تداوله.

وختم الصحافي الأردني تحليله بالإشارة إلى أن الحلول التقنية الأكثر فاعلية تكمُن في بناء أنظمة تحقق هجينة تعتمد على التعلم العميق (Deep Learning)، قادرة على تدريب نفسها باستمرار على اكتشاف أنماط التزييف الجديدة، خاصة في الفيديوهات المنتجة بأدوات مثل “Veo 3”. وأوضح أن هذه الأنظمة لا تقتصر فقط على تحليل المحتوى البصري، بل تقارن أيضًا بين مصادر النشر، وسرعة التفاعل، ومواقع التوزيع الجغرافي، لرسم خريطة احتمالية للتزييف تفيد الصحافيين وصانعي السياسات على حد سواء. واعتبر أن المستقبل القريب سيشهد سباقًا محمومًا بين مطوري أدوات توليد الفيديوهات ومطوري أنظمة كشفها، داعيًا إلى “تحالف دولي بين شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام والهيئات التنظيمية لإنشاء بنية تحتية معلوماتية مقاومة للتضليل البصري المعتمد على الذكاء الاصطناعي”.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق عاجل- صرف مرتبات يونيو 18 من الشهر وتطبيق زيادات الأجور الجديدة في يوليو.. والحد الأدنى للأجور يصل إلى 7000 جنيه
التالى حضرت احتفالية.. محامي نوال الدجوي يرد على تحدي الخصوم: "الدجوي في كامل قواها العقلية