في إطار التعاون العسكري بين الرباط وحلف الناتو احتضنت المملكة المغربية، الأسبوع الماضي، فعاليات الورشة الثانية لتمرين (REGIONAL ENDEAVOUR 2025) المنظمة تحت شعار “المساهمة العسكرية في الأمن الإنساني، الإعداد والقدرة على الصمود”، وذلك بمشاركة ممثلي القيادة المشتركة لقوات الناتو في نابولي بإيطاليا، إلى جانب وفود عسكرية من كل من الأردن وتونس، مصر وموريتانيا، إضافة إلى الاتحاد الإفريقي.
وحسب بيان للقوات المسلحة الملكية، على صفحتها الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، فإن هذا الحدث الإقليمي يهدف إلى “تعزيز التنسيق وتبادل الخبرات بين الشركاء الإقليميين والدوليين، حول الأدوار الحيوية التي تضطلع بها القوات المسلحة في دعم الجهود الإنسانية وإدارة الأزمات”، مبرزًا أن “تنظيم هذا اللقاء يؤكد التزام المملكة المغربية بدعم الأمن والاستقرار الإقليميين، وتكريس قيم العمل المشترك والتعاون متعدد الأطراف مع الدول الصديقة والشريكة”.
ويشهد دور المغرب، حسب مهتمين، تصاعدًا لافتًا في المجال العسكري والدبلوماسي الإقليمي، إذ بات من خلال احتضانه عددا من التمارين العسكرية والورشات التدريبية متعددة الجنسيات يشكّل منصة للحوار العسكري الإقليمي ومتعدد الأطراف ذي الطابع الإستراتيجي، ما يرسخ موقعه كفضاء آمن وموثوق لتطوير وتعزيز التنسيق والتداول الإقليميين في مواجهة مختلف التحديات الأمنية والعسكرية الناشئة.
وقال عبد الرحمان مكاوي، خبير في الشؤون العسكرية، إن “احتضان المملكة المغربية الورشة الثانية لهذا التمرين العسكري، التي تهم مساهمة الجيوش في دعم الجهود الإنسانية وإدارة الأزمات، بمشاركة حلف الناتو وضباط من دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يأتي في سياق تقوية قدرات الجيوش على تدبير الأزمات في بُعدها الإنساني والأمني، على اعتبار أن كل أزمة قد يواكبها التضليل والإشاعة، وهو ما قد يُنتج الفوضى والعنف أحيانًا”.
وأضاف مكاوي، متحدثًا لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “استضافة المغرب مثل هذه التمارين والورشات التدريبية متعددة الجنسيات تؤكد موقعه كمنصة إقليمية للحوار والتنسيق العسكري”، مبرزًا في الوقت ذاته أن “هذا التوجّه، الذي يأتي في إطار ما تسمّى الدبلوماسية الدفاعية أو العسكرية، يُرسّخ دور الرباط كفاعل محوري في معادلة الأمن الإقليمي، ويؤكد التزامها المبدئي بأمن واستقرار محيطها الإقليمي”.
وأكد الخبير العسكري ذاته أن “العدد المتزايد للدول التي تشارك في مختلف التمارين والتدريبات التي يحتضنها المغرب يعكس أيضًا الثقة المتنامية في الكفاءة العملياتية للقوات المسلحة الملكية، وقدرتها على المساهمة بكل التزام في بناء منظومة أمنية جماعية قادرة على الوقوف في وجه التحديات الأمنية المتنامية، خاصة في الساحل والصحراء، التي باتت تفرض تعزيز التنسيق العسكري بين دول المنطقة”.
من جهته أكد محمد شقير، باحث في الشؤون الأمنية والعسكرية، أن “الموقع الإستراتيجي للمغرب في المنطقة، إضافة إلى تحالفاته العسكرية الدولية المتنوعة، سواء مع واشنطن أو مع دول الناتو أو بعض القوى الدولية والإقليمية الأخرى، إلى جانب علاقاته المتميزة مع الدول الإفريقية، وكذا استضافته مناورات الأسد الإفريقي، التي تُعد الأضخم في القارة، كلها عوامل ترشّح البلد ليُصبح منصة رائدة لاستضافة الحوارات العسكرية الإقليمية للتداول بشأن مختلف القضايا والمستجدات الأمنية والعسكرية”.
وأوضح المتحدث لهسبريس أن “المغرب أصبح قوة عسكرية صاعدة في المنطقة، من خلال انخراطه في التصنيع المحلي أو من خلال اقتنائه العديد من المعدات الحربية التي تجعل من جيشه مهابًا، وبالتالي فمن الطبيعي أن يكون حاضنًا لعدد من المناورات والتدريبات والورشات، في إطار الانخراط الاستباقي المشترك في مواجهة الوضعية الدولية الحرجة، المتسمة بتوالي الحروب، من الحرب الروسية الأوكرانية إلى الحرب على غزة، وصولًا إلى الحرب الإيرانية الإسرائيلية”.
وخلص الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية إلى أن “المملكة المغربية لديها تجربة كبيرة في استضافة الحوارات العسكرية والمناورات المشتركة، ما يعكس توجهًا سياديًا لتوظيف التعاون العسكري والثقة التي يحظى بها البلد من أجل تعزيز عمقه الإستراتيجي، وتوسيع هوامش التأثير في بيئته الإقليمية المعقدة، التي تتطلب بالضرورة التنسيق بين مختلف الدول لبناء نظام أمني وعسكري متماسك، قادر على التعامل مع مختلف التهديدات والأزمات”.