انطلقت بمدينة بون الألمانية أشغال الدورة الثانية والستين للّجان الفرعية التابعة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (SB62)، التي تمثل محطة تفاوضية رئيسية تسبق انعقاد مؤتمر الأطراف “COP30” المرتقب نهاية السنة الجارية بالبرازيل.
يأتي هذا الحدث الدولي في ظل تصاعد الأصوات المطالبة بتسريع وتيرة العمل المناخي، وتحقيق العدالة المناخية، لا سيما لصالح الدول النامية والأكثر هشاشة في مواجهة الكوارث البيئية المتزايدة.
يعرف هذا المؤتمر مشاركة ممثلين عن الحكومات، والمؤسسات الدولية والمجتمع المدني من مختلف أنحاء العالم، يتوسطهم الناشط البيئي المغربي حمزة ودغيري، رئيس الجمعية المغربية للاقتصاد الأخضر من أجل البيئة والعدالة المناخية رئيس شبكة العدالة المناخية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وقال ودغيري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن مشاركته في المؤتمر تأتي لحمل صوت المجتمع المدني والمجتمعات المتضررة، وعلى رأسها القارة الإفريقية، التي تحتاج إلى سياسات عادلة تنصفها وتمكنها من مواجهة التحديات المناخية بفعالية وشراكة حقيقية، مؤكدا أن “إفريقيا لا تطالب بامتيازات بل تطالب بإنصاف تاريخي ومناخي يضعها على قدم المساواة مع باقي القارات في الوصول إلى الحلول والتمويل والتكنولوجيا من أجل تحقيق العدالة المناخية”.
وشدّد ودغيري على أن القارة الإفريقية رغم أنها لا تساهم إلا بنسبة تقل عن 4 في المائة من إجمالي الانبعاثات العالمية، إلا أنها تدفع الثمن الأغلى لتغير المناخ، في شكل جفاف حاد وفيضانات وتهديد متصاعد للأمن الغذائي وندرة متفاقمة في الموارد المائية.
وأضاف الناشط البيئي ذاته أن “هذه الوضعية لا يمكن معالجتها فقط من خلال حلول تقنية، بل يتطلب الأمر معالجة أخلاقية وسياسية تلزم الدول الصناعية بواجباتها تجاه الجنوب العالمي وتعيد بناء الثقة بين الشمال والجنوب”.
وأورد رئيس الجمعية المغربية للاقتصاد الأخضر من أجل البيئة والعدالة المناخية رئيس شبكة العدالة المناخية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن من المتوقع أن تشكل الدورة “SB62” مرحلة تحضيرية حاسمة قبيل “COP30″؛ إذ “يرتقب أن تناقش قضايا معقدة، أبرزها تقييم التقدم المحرز في إطار الجرد العالمي (Global Stocktake)، ومراجعة الالتزامات الوطنية المناخية (NDCs)، وترجمة نتائج مؤتمر COP28، خاصة المتعلقة بصندوق الخسائر والأضرار، إلى التزامات ملموسة”.
وتناقش الجلسات إطار ما بعد 2025 للتمويل المناخي، وآليات تنفيذ المادة 6 المتعلقة بالأسواق الكربونية، وتفعيل الهدف العالمي للتكيف، إلى جانب دمج قضايا الصحة العامة والعدالة المناخية والانتقال العادل ضمن السياسات المناخية العالمية.
في حديثه عن المغرب، أبرز ودغيري الريادة المغربية في مجال العمل المناخي، مشيرا إلى أن المملكة المغربية، تحت قيادة الملك محمد السادس، “لا تكتفي بالتوقيع على الاتفاقيات المناخية الدولية”، مؤكدا أنها “تقدم نموذجا مبادرا وواقعيا، من خلال مشاريع ملموسة ومقاربات مندمجة تشمل الطاقات المتجددة والاستراتيجية الوطنية والجهوية وتطوير قدرات التكيف والمرونة المناخية”.
وأشار إلى أن المغرب أطلق استثمارات ضخمة في الطاقات النظيفة، كالهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية والريحية، كما فعّل استراتيجية التنمية المستدامة الوطنية، ووضع خططا جهوية للتكيف مع التغيرات المناخية، مما يجعل من التجربة المغربية مرجعا إفريقيا يمكن الاستفادة منه في مسارات التفاوض والتطبيق.
وتوقف ودغيري عند المبادرة المغربية الأخيرة “إفريقيا من أجل المحيط”، التي تم الإعلان عنها خلال قمة نيس بفرنسا، برئاسة مشتركة بين الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مبرزا أنها تمثل تحولا نوعيا في مسار الترافع من طرف بلدان الجنوب، وتعكس التزام المغرب العميق بقضايا القارة الإفريقية والمحيطات والموارد الساحلية،
وشدد على أن المبادرة تهدف إلى إعادة صياغة الدور البحري الإفريقي عبر ثلاثة محاور استراتيجية: اعتماد النمو الأزرق كرافعة للتنمية المستدامة، وتعزيز التعاون جنوب-جنوب من خلال تنسيق الجهود حول الفضاءات المحيطية، وتحقيق النجاعة البحرية عبر دمج السياسات البيئية والاقتصادية في حوض المحيط الأطلسي.
واعتبر الناشط البيئي أن هذه المبادرة تؤكد موقع المغرب كشريك موثوق في صياغة الحلول البيئية، كما تبرز قدرة المملكة على تقديم أجوبة ملموسة تعزز السيادة البيئية لإفريقيا، وتدافع عن مصالح دول الجنوب داخل المنتديات الدولية.
وختم ودغيري تصريحه لهسبريس بالتأكيد على أهمية إشراك المجتمع المدني، وخاصة النساء والشباب، في قلب عمليات التفاوض وصنع القرار المناخي، موضحا أن هذا الحضور لا يمكن أن يبقى شكليا أو رمزيا، مناديا بأن يتحول إلى رافعة حقيقية لتعزيز الشفافية والمساءلة، وإدماج المجتمعات المتضررة كجزء فاعل في الحل، لا كضحايا صامتين للأزمة المناخية العالمية، داعيا إلى إعادة توزيع أدوات التأثير وتمكين الفاعلين غير الحكوميين من المساهمة الفعلية في بناء مستقبل بيئي أكثر عدالة وتوازنا.