اقرأ في هذا المقال
- تضاؤل احتياطيات النفط المتاحة في روسيا يُفاقم من ضغوط الأسعار.
- سعر النفط الروسي لم يتجاوز 56 دولارًا للبرميل في توقعات الموازنة الفيدرالية الأخيرة.
- منطقتان فقط غنيتان بالنفط في روسيا تتمتعان بمستويات معيشة أعلى من المتوسط الوطني.
- قطاع الطاقة الروسي يعتمد بشكل متزايد على التجارة غير الشفافة مع الصين والهند.
على الرغم من تحركات أسعار النفط خلال الأشهر الـ5 الأولى من عام 2025؛ فقد ارتفعت إيرادات الموازنة الفيدرالية الروسية إلى 14.732 تريليون روبل (164 مليار دولار)، مسجلةً زيادة بنسبة 3.1% على أساس سنوي.
رغم ذلك؛ فإن هذا العنوان، الذي يبدو إيجابيًا في ظاهره، يُخفي نقاط ضعف هيكلية متنامية في اقتصاد روسيا المعتمد على الطاقة.
فقد انخفضت إيرادات النفط والغاز -العمود الفقري التقليدي للموازنة الفيدرالية الروسية- بنسبة 14.4%، لتصل إلى 4.24 تريليون روبل (47.2 مليار دولار)، ويعزى ذلك أساسًا إلى انخفاض أسعار النفط العالمية وغياب المكاسب الاستثنائية التي تحققت في أوائل عام 2024.
ويعكس هذا الأداء المالي التناقضات المتنامية داخل قطاع الطاقة الروسي: توسع الصادرات البحرية في ظل انخفاض أسعار النفط، وارتفاع عجز الموازنة في ظل نمو الإنفاق، ومحاولات تعويض انخفاض إيرادات الهيدروكربونات بإيرادات غير نفطية وتجارة مقيّمة بالروبل.
إيرادات قطاع الطاقة الروسي
تكشف البيانات الأولية لوزارة المالية الروسية، الصادرة في 10 يونيو/حزيران 2025، عن تباين متسارع في تدفقات الموازنة.
وعلى الرغم من أن الإيرادات غير النفطية والغازية ارتفعت بنسبة 12.3%، لتصل إلى 10.492 تريليون روبل (116.7 مليار دولار)؛ فإن هذا لم يكن كافيًا لتعويض الانكماش في إيرادات الطاقة بالكامل.
وارتفعت ضرائب المبيعات؛ بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة، بنسبة 5.8% على أساس سنوي؛ ما عزز استقرار قاعدة الضرائب غير المتعلقة بالطاقة.
وفي الوقت نفسه، ارتفعت النفقات بنسبة 20.7% لتصل إلى 18.125 تريليون روبل (202 مليار دولار)، مدفوعةً بالإنفاق العسكري الصناعي المكثف في يناير/كانون الثاني الماضي (+64.1% على أساس سنوي)، تلاه نمو معتدل من فبراير/شباط إلى مايو/أيار الماضيين (+11.9% على أساس سنوي).

وبلغ عجز الموازنة الناتج عن ذلك للمدة من يناير/كانون الثاني إلى مايو/أيار 2025 ما مجموعه 3.39 تريليون روبل (37.7 مليار دولار)، وهو تحسن على أساس سنوي، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى مناورات التمويل المسبق وتأجيل احتساب بعض التزامات الدفاع، بدلًا من إجراءات ضبط مالية حقيقية.
وللتحوط من تقلبات إيرادات الطاقة، يواصل الكرملين الاعتماد على صندوق الرفاه الوطني (NWF) لسد العجز في إيرادات النفط والغاز.
في المقابل، ومع توقع وزارة المالية خسارة 447 مليار روبل (5 مليارات دولار) من إيرادات النفط والغاز بحلول نهاية العام، فإن مرونة هذه الإستراتيجية أصبحت موضع تساؤل.
تراجع إيرادات النفط رغم الصادرات القياسية
من المفارقات، أنه خلال الوقت الذي تتراجع فيه إيرادات النفط بالموازنة، ارتفعت صادرات النفط الروسية المنقولة بحرًا إلى أعلى مستوياتها في أكثر من 3 أشهر.
ووفقًا لبيانات وكالة بلومبرغ لتتبع ناقلات النفط:
- خلال الأسابيع الـ4 المنتهية في 8 يونيو/حزيران الماضي، بلغ متوسط صادرات النفط الروسية المنقولة بحرًا 3.42 مليون برميل يوميًا، بزيادة قدرها 720 ألف برميل يوميًا مقارنة بالأسابيع الـ4 السابقة.
- ارتفعت قيمة الصادرات بمقدار 320 مليون دولار لتصل إلى 1.42 مليار دولار أسبوعيًا؛ حيث إن 34 ناقلة حمَّلت 25.52 مليون برميل في أسبوع واحد فقط.
- حافظت الصادرات الأسبوعية إلى الهند والصين على قوتها -1.49 مليون برميل يوميًا و1.14 مليون برميل يوميًا على التوالي- مع تزايد التدفقات نحو وجهات غير معلنة في آسيا.
وحدث تطور مفاجئ عندما استوردت شركة تايو أويل اليابانية (Taiyo Oil Co) خام سخالين الروسي، مسجلةً بذلك أول عملية شراء من نوعها لطوكيو منذ عام 2020.
وقد وافقت الولايات المتحدة ضمنيًا على هذه الخطوة؛ ما يُظهر واقعية واشنطن في موازنة سياسة العقوبات مع احتياجات حلفائها من الطاقة.
وعلى الرغم من ارتفاع الصادرات الفعلية؛ فقد انهارت أسعار النفط؛ حيث وصل سعر خام برنت، الذي بلغ ذروته عند 116.70 دولارًا للبرميل في يونيو/حزيران 2022، إلى نحو 66.60 دولارًا للبرميل بانخفاض سنوي بنسبة 19%.
* ملاحظة: هذه الأسعار قبل الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، التي أدّت إلى ارتفاع سعر خام برنت إلى 74.23 دولارًا للبرميل.
من ناحيته، يتوقع صندوق النقد الدولي انخفاضًا إضافيًا إلى 62.40 دولارًا للبرميل بحلول عام 2026، في حين يُحذِّر بنك جي بي مورغان من سيناريو 58 دولارًا للبرميل، مدفوعًا بضعف الطلب وارتفاع إنتاج تحالف أوبك+.
ونتيجة لذلك، انخفضت إيرادات صادرات النفط الروسية من 337.5 مليار دولار في عام 2022 إلى 189 مليار دولار فقط في عام 2024، على الرغم من الحفاظ على صادرات يومية تبلغ 7.6 مليون برميل من النفط الخام والمنتجات المكررة.

تضاؤل احتياطيات النفط المتاحة في روسيا
يُفاقم تضاؤل احتياطيات النفط المتاحة في روسيا من ضغوط الأسعار؛ فمن بين 31 مليار طن من الاحتياطيات المؤكدة للبلاد، هناك 13 مليار طن فقط مربحة، وتقع غالبيتها في تكوينات يصعب استخراجها.
وتشمل هذه الحقول حقولًا غارقة بالمياه ومستنفدة، تُمثل الآن 60% من احتياطيات روسيا النفطية، وفقًا لنائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك.
بدوره، حذّر الرئيس التنفيذي لشركة غازبروم نفط الروسية (Gazprom Neft) ألكسندر ديوكوف، من أنه بحلول عام 2030، سيأتي أكثر من 50% من إنتاج روسيا من النفط من هذه المصادر صعبة الاستخراج.
وتستخرج الشركة، حاليًا، أكثر من 60% من إنتاجها من احتياطيات يصعب استخراجها.
وللحفاظ على الإنتاج، يواجه المنتجون الروس تكاليف متزايدة، ويحتاجون إلى دعم حكومي كبير للبحث والتطوير، وحوافز ضريبية، وتنسيق صناعي؛ وهي أمور لا تتوافر حاليًا على نطاق واسع.
وتستهدف إستراتيجية الحكومة للطاقة 2050، التي أُقرت في أبريل/نيسان الماضي، إنتاج 540 مليون طن من النفط سنويًا، وهو ما يزيد قليلًا عن إنتاج 516.1 مليون طن في عام 2024.
وتفترض التوقعات زيادة استغلال احتياطيات النفط صعبة الاستخراج واستمرار القدرة التصديرية عند مستوى يقارب 235 مليون طن سنويًا؛ ما يثير تساؤلات بشأن الجدوى على المدى الطويل في ظل العقوبات الغربية وهروب رؤوس الأموال.
سقوف الأسعار.. العقوبات المضادة والتهرب منها
ما يزيد من الضغوط فرض مجموعة الدول الـ7 سقوفًا سعرية على النفط الروسي؛ 60 دولارًا للبرميل للخام، و100 دولار للبرميل للديزل، و45 دولارًا للبرميل لزيت الوقود.
وتمنع هذه القيود، التي فُرضت في ديسمبر/كانون الأول 2022 وفبراير/شباط 2023، الشركات الغربية من تقديم خدمات الشحن أو التأمين لأي نفط روسي يُباع فوق هذه الحدود.
ردًا على ذلك، مدد الرئيس بوتين مرارًا وتكرارًا العقوبات المضادة التي تحظر المبيعات بموجب عقود تحديد سقف الأسعار؛ حيث مدد المرسوم الأخير الحظر حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2025.
وتتضمّن إستراتيجية روسيا إعادة توجيه تدفقات النفط إلى آسيا ونشر أسطول من ناقلات النفط تعمل خارج نطاق الرقابة الغربية؛ ما يتيح بيع النفط بخصومات غير رسمية تصل إلى 30%.
من ناحية ثانية، لم يتجاوز سعر النفط الروسي 56 دولارًا للبرميل في توقعات الموازنة الفيدرالية الأخيرة، وهو أقل بكثير من سعر خام برنت القياسي والتوقعات الحكومية السابقة البالغة 69.70 دولارًا للبرميل.
وأجبر هذا التعديل في الأسعار وزارة المالية على خفض إيرادات النفط والغاز المتوقعة بمقدار 2.6 تريليون روبل (29 مليار دولار) في مراجعة موازنة عام 2025.
دفع صادرات الطاقة للنمو الاقتصادي
على الرغم من أن صادرات الطاقة لا تزال تُغذي الموازنة الفيدرالية؛ فإن قدرتها على دفع النمو الاقتصادي قد تضاءلت بشكل كبير.
تشهد صناعة الغاز تراجعًا هيكليًا؛ حيث فقدت ريادة الصادرات العالمية لصالح الولايات المتحدة وقطر. ويصف الخبراء المحليون قطاع النفط، الذي كان في يوم من الأيام رمزًا للعمق الإستراتيجي، بشكل متزايد بأنه "أصل متراجع".
ووفقًا لموقع "إن بزنس" InBusiness.kz الروسي؛ فإن "تدهور قطاع النفط" يثير مخاوف من احتمال ظهور فقر ما بعد الصناعة وهشاشة إنسانية في مناطق الإنتاج الرئيسة.
وكشفت دراسة اجتماعية واقتصادية أجرتها شركة "إف تو بي بريسايس" عن أن منطقتين فقط غنيتين بالنفط في روسيا تتمتعان بمستويات معيشة أعلى من المتوسط الوطني.
وتعاني المناطق الأخرى ضعف البنية التحتية، وتفاوت الدخل، ونقص الاستثمار، على الرغم من مساهمتها الكبيرة في الإيرادات الوطنية.
وحذّرت النائبة في البرلمان الروسي إميليا سلابونوفا، من تفاقم التفاوت الداخلي، الذي قد يُؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة استقرار مجتمعي أوسع.
وأشارت إلى ضرورة عدم الاستهانة بـ"العواقب الوخيمة" لنموذج التنمية الروسي المُشوّه، الذي يربط الثروة بالريع الاستخراجي بدلًا من الاستثمار الإنتاجي.

قطاع الطاقة الروسي أمام نقطة تحول هيكلية
يقف قطاع الطاقة الروسي عند نقطة تحول هيكلية؛ حيث يتكيف الكرملين، ظاهريًا، من خلال زيادة الصادرات البحرية، والفواتير المقيّمة باليوان والروبل، والتهرب من تحديد سقف الأسعار.
ويكمن وراء هذه المرونة انكماش في الاحتياطيات المالية، وعجز تكنولوجي متزايد، واعتماد غير مستدام على احتياطيات يصعب استخراجها.
ويزداد القطاع تكلفةً وعزلةً، ويعتمد بشكل متزايد على التجارة غير الشفافة مع الصين والهند.
على الصعيد الجيوسياسي، يشير هذا إلى تراجع عن التكامل العالمي وتسارع في توجيه الطاقة شرقًا.
وتعتمد جدوى هذا التحول على المدى الطويل على قدرة موسكو على تصنيع قطاع الطاقة لديها دون الحاجة إلى رأس المال أو التكنولوجيا الغربية؛ وهو إنجاز مستبعد في ظل العقوبات المطولة.
إضافة إلى ذلك، تتزايد الهشاشة المحلية، وفي حال لم يعد قطاع الطاقة قادرًا على دعم التنمية الاقتصادية أو الاستقرار الإقليمي؛ فقد ينهار التوازن الداخلي لروسيا؛ ما يزيد من تعقيد مواجهاتها الخارجية.
وبالنسبة للنظام العالمي، يُنذر تراجع إيرادات الطاقة في روسيا بتقلب أسواق النفط، وضعف تطبيق أنظمة تحديد سقف الأسعار، وترسيخ التكتلات التجارية الموازية.
ويُشكل تحديًا للجداول الزمنية لتحقيق أمن الطاقة في أوروبا، ويفتح آفاقًا إستراتيجية جديدة لبكين ودلهي، ما قد يُعيد تشكيل نظام الطاقة العالمي وفق مراكز جديدة للطلب والمخاطر.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..