تساءل السفير أيمن زين الدين عن الأسباب التي جعلت دولة الاحتلال الإسرائيلي لديها القدرة على القيام بكل هذه الضربات النوعية سواء في غزة أو لبنان أو سوريا وأخيرًا إيران، وذلك في تدوينة عبر صفحته على موقع "فيسبوك".
ابتدأ الدبلوماسي السابق، السفير أيمن زين الدين، كتباته بالقول: "تُثير أحداث الشهور والأيام الأخيرة سؤالًا مهما: هل اكتسبت اسرائيل فجأة القدرة على القيام بكل هذه الضربات: فى غزة، ولبنان، وسوريا، وأخيرًا إيران؟"
يضيف: "لا شك أن قدرات إسرائيل العسكرية تتطور بشكل مستمر، وأنها اليوم أقوى مما كانت فى السابق..... إلا أن ما شهدناه من فوارق كبيرة فى القوة بينها وبين خصومها فى هذه المواجهات، والحسم الواضح لانتصارها فيها، يعنى أنها كانت قادرة لسنوات طويلة على توجيه ضربات قريبة فى حجمها وتأثيرها مما حدث بالفعل، فماذا الذى منعها؟".
يتابع: "الحقيقة أن الدول لا تفعل كل ما تملك القدرة على فعله، وإنما دائمًا ما تضبط تصرفاتها وتوازنها مراعاة لاعتبارات متنوعة غير القدرة، من بينها الرغبة فى عدم استفزاز الآخرين، والحرص على عدم التحول إلى دولة منبوذة مرفوضة، وهو ما تكون لها تكلفة استراتيجية واقتصادية كبيرة وغير ذلك من اعتبارات".
يضيف: "إذن ماذا جد على إسرائيل فى هذه المسألة ولم يكن قائمًا من قبل؟ اعتقد أن ما منع إسرائيل فى السابق من الذهاب إلى هذا المدى فى العنف هو أنها كانت تقيم وزنًا لعناصر لا تتسق مع هذه الممارسات، مثل الرغبة فى التوصل إلى سلام وعلاقات طبيعية مع أكبر عدد ممكن من الدول العربية، وحرصها على الحفاظ على صورتها لدى الرأى العام العالمى كدولة راقية عادلة، مع الإبقاء على سردية الدولة الضعيفة المهددة المحاطة بجيران يتربصون بها الدوائر، التى مثلت غطاء رئيسيًا لما تحصل عليه من دعم ومساندة مالية وعسكرية ومعنوية من يهود العالم ومن الغرب، وكذلك فى إبقاء المجتمع الإسرائيلى نفسه فى حالة تعبئة دائمة".
يستطرد قائلًا: "وهذا ما جد عليه جديد.... فإسرائيل اليوم كما يقال فى الكلام الدارج "قطعت البطاقة"، بمعنى أنها لم تعد تحسب حساب مثل هذه الأمور... يرجع ذلك جزئيًا إلى ثقتها الكبيرة فى تفوقها العسكرى، واقتناعها بأنها تحظى بتأييد ونفوذ فى مراكز القوة العالمية بشكل يسمح لها بأن تنجو بأى فعلة مهما بلغت جسامتها.... إلا أن الأمر يتعدى ذلك، فهذا الجموح يرجع، فى جانب هام منه إلى اقتناع إسرائيل بأنها فى موقف حياة أو موت وبالتالى لم يعد لديها رفاهية تحجيم ممارساتها بأى مبرر، كما أن المجتمع الإسرائيلى أصبح أكثر يمينية ودموية وعنصرية، وبالتالى لم يعد يحتاج إلى أن يرى بلاده ضعيفة او فى خطر حتى يظل جاهزا للدفاع عنها، بل أنه أصبح يرغب فى رؤيتها قوية شرسة مدمرة، وأخيرًا، فقد زاد شعور إسرائيل لم يعد لديها، فى الحقيقة، ما تخفيه، كما لم يعد بإمكانها الحفاظ على صورة الدولة الصغيرة المتحضرة التى تعتنق قيم العدالة وحقوق الإنسان، وبما أنه أصبح عليها أن تدفع ثمن هذه الصورة القبيحة، فلتحقق من ورائها أكبر فائدة يمكنها تحقيقها".
يضيف: "هذا الوضع المتحرر من القيود يتيح لإسرائيل تحقيق مكاسب كبيرة فى الأجل القصير، لكن مع الوقت ستبدأ تكلفة فقدان المكانة والحيثية فى الارتفاع إلى مستويات تثقل كاهل إسرائيل وتضعفها (وهو ما بدأت تظهر بوادره بالفعل، ويحذر من خطورته أعداد متزايدة من الإسرائيليين واليهود فى العالم)، وربما كان ذلك ما يفسر تحرك اسرائيل بكل هذا النهم والتسرع، أملا فى تحقيق أكبر قدر من المكاسب قبل فوات الأوان".