أكد اقتصاديون أن انطلاق عملية “مرحبا 2025” لاستقبال أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج “يستدعي تقوية التفكير في الاستفادة من تجربة مغاربة المهجر وتعزيز مساهمتهم في التنمية الوطنية الشاملة”، مبرزين أن “المرحلة ملائمة في سياق الدعوة الملكية إلى إحداث ‘المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج’ من أجل توفير إطار مؤسساتي فعال يضمن تأطير أفضل لهذه الفئة من المواطنين، وتيسير اندماجهم في مشاريع التنمية الوطنية”.
الاستفادة من التجارب
رشيد ساري، الباحث الاقتصادي، قال إن الجالية المغربية التي تلج البلد مع انطلاق عملية “مرحبا” تلعب “دورا مهما” في الجانب السياحي؛ غير أن الأهم، وفقه، “هو ما تمثله تحويلات مغاربة العالم من رافعة اقتصادية حقيقية”، مضيفا أن “هذه التحويلات تجاوزت 100 مليار درهم في سنة 2022، وكانت تعرف سابقا وتيرة ارتفاع سنوية تقارب 10 في المائة؛ لكن خلال الأشهر الأولى من السنة الجارية، تم تسجيل تراجع فيها”.
وأوضح ساري، ضمن تصريحه لهسبريس، أن “هذه العائدات تمثل ما يقارب 20 في المائة من مجموع الادخارات البنكية؛ وهو رقم بالغ الأهمية”.
واسترسل الباحث الاقتصادي أن “هناك مؤشرا آخر يجب عدم إغفاله، ويتعلق بالمقارنة مع دول إفريقية مثل كينيا التي تشكل فيها تحويلات المهاجرين نحو 35 في المائة من الاستثمارات، ونيجيريا التي تصل فيها هذه النسبة إلى حوالي 45 في المائة، بينما لا تتجاوز نسبة استثمار مغاربة العالم 10 في المائة، وهي نسبة لا تعكس حجم التحويلات ولا تطلعات السياسات التنموية”.
وأشار المتحدث ذاته إلى “أننا نلج مرحلة الممثلين الاقتصاديين داخل عدد من السفارات المغربية في الدول التي تحتضن جاليات مغربية؛ وهو إجراء يمكن أن يسهم في جذب استثماراتهم، ويحفزهم على التفكير في وطنهم كوجهة لإقامة مشاريهم”.
وتابع ساري: “هذا لا يكفي. يجب انخراط المراكز الجهوية للاستثمار والجهات الترابية في هذا الورش، عبر تنسيق أكبر لدعم استثمار أفراد الجالية”، مشددا على أن “الأمر لا يتعلق فقط بحجم التحويلات؛ بل يجب أن يكون هناك وعي بأن هذه الموارد لا تُستثمر كما ينبغي”، بل يُنظر إليها أحيانا كـ”حظ” أو “مصدر استثنائي”.
وفي هذا الصدد، أشار الباحث الاقتصادي إلى أنه “خلال جائحة كورونا، توقع كثيرون تراجعها بسبب ضبابية الوضع العالمي، لكن ما حصل كان العكس تماما، بمعنى ما هو رائج يعكس قراءات شخصية أحيانا تكون صائبة”.
كما أورد أن “المغرب يتوفر اليوم على كفاءات عالية من مغاربة العالم تضم خريجي جامعات ومدرّسين وباحثين ومقاولين؛ وهو ما يستدعي تفعيل آليات حقيقية للاستفادة منهم في تحقيق التنمية الوطنية”، مبرزا أنه “لو تم التركيز أكثر على توجيه التحويلات نحو الاستثمار، لكان من الممكن فهم مصادرها بدقة أكبر واستعمالها بشكل أكثر نجاعة”.
مشروع اقتصادي حقيقي
قال عمر الكتاني، الباحث في الاقتصاد، إن عودة المغاربة المقيمين بالخارج بمناسبة عملية “مرحبا 2025” لا تمثل “مجرد مناسبة اجتماعية أو ظرفية موسمية؛ بل تشكل فرصة استراتيجية ينبغي استثمارها اقتصاديا وتنمويا، في سياق دولي يتسم بارتفاع التحديات الاقتصادية واشتداد المنافسة على جذب الاستثمارات وتحفيز الكفاءات”.
وأضاف الكتاني، ضمن تصريحه لهسبريس، أن “عودة الجالية المغربية لا تعني فقط تدفقا ماليا ظرفيا؛ بل تُمثل أيضا لحظة مهمة لإعادة ربط الجسور بين الداخل والخارج، وتفعيل دور هذه الفئة في المساهمة في مسار التنمية، من خلال نقل الخبرات والمعارف، وتحفيز الاستثمار، والمشاركة في رسم معالم نموذج اقتصادي أكثر شمولا واستدامة”.
وشدد المتحدث على أن “المرحلة تقتضي استحضار رؤية مغايرة تُدرج مغاربة العالم ضمن معادلة الإصلاح الاقتصادي، ليس فقط انطلاقا من تحويلاتهم المالية، بل كفاعلين وشركاء”، مبرزا أن “العائدات المالية الكبيرة التي يضخها أفراد الجالية إلى الداخل يجب ألا يظل محصورا في مجالات الاستهلاك الفردي؛ بل يجب أن يتحول إلى مشروع استثماري وطني ذي بعد اقتصادي واستراتيجي يساهم في خلق الثروة ويستجيب لحاجيات التنمية المجالية والبشرية، خصوصا في المناطق التي تعرف ركودا اقتصاديا خارج موسم الصيف”.
وأكد الباحث عينه أن الجالية “لا تخلق فقط حركة سياحية نشيطة وارتفاعا في الإنفاق والاستهلاك خلال أشهر عودتها إلى أرض الوطن؛ بل تسهم أيضا في إعادة التوازن الاجتماعي والاقتصادي للعديد من المناطق المهمشة، عبر الدعم المباشر للأسر، وإعادة إحياء أسواق محلية تعرف ركودا على امتداد السنة”.
وأجمل الكتاني قائلا: “عملية مرحبا 2025 ينبغي أن تتجاوز الطابع اللوجستي والاستقبال العاطفي، لتتحول إلى منصة استراتيجية للحوار الاقتصادي مع الجالية، وبناء جسور شراكة استثمارية فعلية، تُعزز مكانتهم كمكون رئيسي في مشروع التنمية الوطنية، وتفتح أمامهم آفاقا ملموسة للمساهمة في رسم مستقبل المغرب الاقتصادي والاجتماعي”.
وانطلقت رسميا، أول أمس الثلاثاء، عملية “مرحبا 2025″، التي تشرف عليها مؤسسة محمد الخامس للتضامن، في موسم جديد من “الاستقبال والمواكبة الموجهة إلى الجالية المغربية المقيمة بالخارج”. ويأتي “تنظيم هذه النسخة الجديدة في سياق مواصلة الجهود الرامية إلى تأمين عودة أفراد الجالية في أفضل الظروف، واستمرارا لتقليد سنوي يعكس عمق العلاقة بين الوطن وأبنائه المقيمين خارجه”.