حاول تقرير أممي حديث لصندوق الأمم المتحدة للسكان، نُشر اليوم الثلاثاء، “تفكيك العوائق الحائلة دون الاختيار في الإنجاب”، مستندا إلى دراسة استطلاعية شملت 14 بلدا (منها المغرب) خلص التقرير ضمن أبرز النتائج إلى أن “نِسَبا مرتفعة بشكل مثير للقلق من البالغين غير قادرين على تحقيق رغباتهم في الإنجاب”.
“قيود” الصحة الإنجابية
وحسب نتائجه، أفاد التقرير، الذي صنَّف المغرب ضمن فئة الدول “الأعلى حسب المعدل الإجمالي للخصوبة” بعد كل من نيجيريا وجنوب إفريقيا، بأن “88 في المائة من النساء سَبَق لهم التعرض لأحد القيود على الصحة الجنسية والإنجابية”، مقابل “69 في المائة من الرجال المستجوبين”.
وتتمثل هذه القيود في أسئلة مطروحة: “هل سبق لك أن تعرّضت لموقف لم تتمكن فيه من استخدام وسيلتك المختارة لتنظيم الأسرة؟، وهل سبق لك أن تعرّضت للضغط من أي شخص لإنجاب طفل أو للحمل في وقت لم تكن تريد ذلك؟، وهل سبق لك أن تعرّضت للضغط من أي شخص لمواصلة استخدام وسائل تنظيم الأسرة بهدف منع الحمل في وقت أردت فيه إنجاب طفل؟، وهل سبق لك أن تعرضت الموقف شعرت فيه أنك غير قادر على رفض ممارسة العلاقة الحميمة بينما لم تكن ترغب في ذلك؟ وهل سبق لك أن تعرّضت الموقف شعرت فيه بعدم القدرة على الوصول إلى الخدمات الصحية أو المساعدة الطبية المتعلقة بالإنجاب أو تنظيم الأسرة؟”.
“الحمل غير المقصود”
في دول عديدة، منها المغرب، “تبيّن أن المستطلعة آراؤهم يواجهون صعوبة في منع حالات الحمل غير المقصود، وفي الحمل بالوقت الذي يرغبون فيه”.
وفي التفاصيل، سجلت “النسبة المئوية من المُجيبين الذين صرّحوا بأنهم شعروا بعدم القدرة على تحقيق رغبتهم في الإنجاب في الوقت الذي يفضلونه”، في المغرب ما يتجاوز النصف (50 في المائة).
أما “نسبة المُجيبين الذين قالوا إنهم (أو، بالنسبة للرجال، شريكتهم) قد مرّوا بحمل غير مقصود”، فناهزت في المغرب الـ40 في المائة، وفق بيانات الاستطلاع ذاته طالعت جريدة هسبريس نتائجه الكاملة.
“عوائق إنجاب الأطفال”
عند طرح سؤال: “وفقا لظروفك الشخصية، ما هي العوامل التي أدّت أو يُحتمل أن تؤدي إلى إنجابك عددا من الأطفال أقل مما كنت ترغب فيه في البداية؟”، أجاب ما نسبته 10 في المائة من المستطلعة آراؤهم من المغرب بأن السبب صحي (عقم أو صعوبة في الحمل)؛ فيما حاز العامل المتعلق بـ”عوائق متعلقة بالرعاية الطبية تمنع الإنجاب أو الحمل” نسبة 4 في المائة، مقابل “19 في المائة قالت إن الأمر يتعلق بـ”مشاكل في الصحة العامة أو الإصابة بأمراض مزمنة”.
وحسب استقراء هسبريس لنتائج الاستطلاع الواردة في التقرير، فإن العوامل الاقتصادية ما زالت “مهيمنة غالبة” على عوائق الإنجاب لدى فئات من المغاربة؛ إذ عبّر 47 في المائة من المستجوبين بأن سبب “قيود مالية” من أبرز العوائق.
أما 20 في المائة، فأكدت “قيود متعلقة بالإسكان (مساحة المنزل غير كافية، ارتفاع تكاليف شراء المنازل أو استئجارها)”، مقابل 11 في المائة قالت إنه بسبب “عدم وجود خيارات كافية أو جيدة لرعاية الأطفال”؛ في حين شكلت “البطالة/انعدام الأمن الوظيفي” عائقا بالنسبة لـ15 في المائة.
علاوة على ذلك، فإن “رغبة الشريك في إنجاب عدد أطفال أقل” تمثل بالنسبة للمغرب نسبة 17 في المائة مقارنة بـ8 في المائة فقط عبّرت عن “تغير في الرغبات (اتخاذ القرار بإنجاب عدد أطفال أقل)”.
وعند سؤالهم عن “مخاوف متعلقة بالوضع السياسي أو الاجتماعي” (مثل الحروب أو الجوائح) كعائق أمام الإنجاب، يعتبر 8 في المائة فقط أن هذا سبب كاف، مقابل 4 في المائة بالنسبة لـ”مخاوف متعلقة بتغير المناخ أو التدهور البيئي”.
وبدا لافتا ضمن “فئة عوامل أخرى” أن مسألة “عدم انخراط الشريك بشكل ملائم في الأعمال المنزلية/ رعاية الأطفال” تشكل عائقا للإنجاب بالنسبة لـ13 في المائة من المستطلَعين/ات.
والتقرير المعنون بـ”التحديات الحقيقية في مجال الخصوبة.. السعي نحو تحقيق الصحة الجنسية والإنجابية في عالم متغيّر”، عبارة عن عرض مفصل لنتائج “دراسة استقصائية” أجراها صندوق الأمم المتحدة للسكان بالتعاون مع مؤسسة “YouGov” شملت 14 بلدا (تمثل أكثر من ثلث سكان العالم) لسؤال المستجوَبين “عمّا إذا كانوا يُنجبون عائلاتٍ يرغبون فيها”.
وجاء في تمهيد الوثيقة الأممية، طالعت هسبريس نسختها الكاملة، “استطْلَعنا آراء الناس في 14 بلدا، وسألناهم عما يرجوْنه لحياتهم الإنجابية ومستقبلهم، وعن مدى ثقتهم في قدرتهم على تحقيق تلك الرغبات فجاءت الإجابات كاشفة عن واقع لا يُطمئن: قلة قليلة من الناس يمتلكون القدرة الحقيقية على اتخاذ قرارات حرّة بشأن الإنجاب، وهو أحد أكثر الخيارات حميمية وتأثيرا في مجرى الحياة”.
عوائق يتصدّرها الاقتصاد
بيّن البحث المُعدّ لهذا التقرير أن العوائق التي تحُول دون منع “الحمل غير المقصود”، هي ذاتها التي تحول دون تكوين الأسرة؛ معددا أبرزَها في “انعدام الاستقرار الاقتصادي، والتمييز على أساس النوع الاجتماعي، وغياب الدعم من الشريك أو المجتمع، وضعف جودة الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية”، مع “عدم توفر خدمات أساسية مثل رعاية الأطفال والتعليم الميسور”، إضافة إلى “الخوف من المستقبل”.
وفي الآونة الأخيرة، رصد مُعدّو التقرير الأممي لحالة “سُكان العالم 2025” أن “انخفاض الخصوبة أصبح يتصدر عناوين الأخبار، وغالبا ما يتم إلقاء اللوم على النساء في هذه التحولات الديموغرافية. وتَستخدم بعض الحكومات تدابير صارمة لتحفيز الشباب على اتخاذ قرارات الخصوبة بما يتماشى مع الأهداف الوطنية”.