التوجهات السياسية لأغنى شخص في العالم أضرت بصانعة السيارات الكهربائية.. لكن القادم ربما يكون أسوأ
بعد اندلاع الخلاف الذي كان حدوثه الأكثر توقعا في العالم، يُتوقع أن نشهد -نحن الشعب- الهدنة الأقل إقناعاً على الإطلاق.
ويبدو أن مساهمي "تسلا"، التي يديرها اسمياً إيلون ماسك -الذي انقلب موقفه من أشد الداعمين للرئيس دونالد ترمب إلى أشد منتقديه -تنفسوا الصعداء، إذ انتعش سهم الشركة خلال التداول يوم الجمعة بعد أن أدى الانخفاض الكبير يوم الخميس إلى تراجع قيمة "تسلا" السوقية إلى أقل من تريليون دولار.
هناك ارتفاعات للأسهم تعكس الارتياح، وأخرى تعكس الوهم، أما ارتفاع أسهم "تسلا" فيبدو أقرب إلى النوع الثاني، فقيمة "تسلا" السوقية، التي ترتبط بماسك نفسه بشكل كبير، أصبحت في الآونة الأخيرة امتداداً لعلاقته مع ترمب أيضاً، التي دمرها حالياً.
وبغض النظر عن أي تهدئة حدثت الجمعة، فالخلاف كشف عن مخاطر لا تحصى تهدد "تسلا" بسبب انخراط ماسك في السياسة. وحدث كل ذلك عشية إطلاق سيارة الأجرة ذاتية القيادة (الروبوتاكسي)، الحدث الذي انحسر عنه الاهتمام.
في خضم تبادل الاتهامات بالسعي وراء الدعم الحكومي من جهة، والتسبب في ركود، والعلاقة مع مرتكب جرائم جنسية متوفي من جهة أخرى، يبرز منشور لترمب كتب فيه: "أسهل طريقة لتوفير المال في الميزانية، بمليارات الدولارات، هي إنهاء الدعم والعقود الحكومية مع إيلون. طالما فاجأني أن (جو) بايدن لم يفعل ذلك".
دعم ماسك لترمب كان منطقيا
جاء التهديد بأن تتجرع شركات ماسك من كأس الكفاءة الحكومية بعد 7 شهور بالضبط من الانتخابات التي أعادت ترمب إلى البيت الأبيض، ومعه ماسك. ويبدو أن الحقبة السياسية لأسهم "تسلا"، وهي سلسلة من التقلبات الشديدة اعتمدت توقعاتها بشكل رئيسي على المعنويات، وصلت إلى نهايتها. فسيل الانتقادات الذي انهمر على الإنترنت الخميس لا يمثل خاتمة بقدر ما يشكل بداية فصل جديد أكثر قتامة.
عندما أعلن ماسك تأييده للمرشح ترمب آنذاك، كان نشاط "تسلا" الرئيسي للسيارات الكهربائية يواجه تحديات، بسبب تشكيلة الطرز القديمة. بدا دعم مرشح معروف بمعارضته الشديدة العلنية للمركبات الكهربائية أمراً غريباً، لكنه كان منطقياً إلى حد ما في ظل تحول "تسلا" الحاد نحو إطلاق السيارات ذاتية القيادة. كما أن وجود إدارة داعمة في البيت الأبيض والكونجرس قد يساعد على الضغط على الجهات التنظيمية المزعجة، وربما إصدار تشريع يدعم "الروبوتاكسي".
أما في الفترة الحالية، فتسوء أوضاع نشاط السيارات الكهربائية في "تسلا"، في ظل مواجهة رد فعل سلبي من مناهضي حركة "إعادة العظمة إلى أمريكا" (MAGA) في شريحة من السوق تميل إلى الديمقراطيين، إلى جانب قوة الشركات الصينية في المنافسة المحتدمة. لذلك، يشكل الإطلاق المرتقب لخدمة "روبوتاكسي" في أوستن، رغم نطاقها المحدود، عاملاً حاسماً في الحفاظ على الثقة في أسهم الشركة، رغم تراجع توقعات الأرباح.
ثروة ماسك نقطة ضعفه
لم يقتصر تأثير هجوم ماسك على ترمب، والحزب الجمهوري بشكل أوسع، في قطع العلاقة، بل قوّض أُسسها، ودعوته إلى أقصى عقوبتين، عزل الرئيس والهزيمة الساحقة للحزب في انتخابات التجديد النصفي، لن تمر مرور الكرام، بغض النظر عن أي إصلاح للعلاقة علنا.
إن ثروة ماسك وإمبراطورية شركاته التي تشمل السيارات الكهربائية، والصواريخ، والاتصالات، والذكاء الاصطناعي، إلى جانب منصة التواصل الاجتماعي التي يستخدمها كسلاح، تجعل منه خصماً لا يُستهان به، ولا يمكن توقع تصرفاته أيضا.
غير أن الأمر نفسه ينطبق على رئيس الولايات المتحدة، بالأخص إذا كانت لديه قدرة ترمب على عدم نسيان الضغائن. ورغم أن مشكلات ماسك السابقة مع وكالات حكومية، مثل لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، ربما تتسق مع نمط سلوكه، فتداعيات الوضع الراهن قد تكون أكثر خطورة مما سبق.
ما يبدو أن ماسك أغفله هو أن ثروته، رغم ضخامتها، تعتمد على عوامل أخرى أيضاً، وبطرق تتيح لأقوى رجل على وجه الأرض استغلالها عند الحاجة. وتبدو حيازة ماسك الأكبر في الفترة الحالية، في شركة "سبيس إكسبلوريشن تكنيولوجيز"- المعروفة باسم "سبيس إكس" (SpaceX)- هي الأكثر عُرضة للخطر بالطبع، بسبب شبكة عقودها الحكومية.
وفي خطوة لفتت الانتباه، أعلن يوم الخميس عن إيقاف تشغيل مركبة "دراجون" الفضائية، التي تعتمد عليها وكالة "ناسا" (NASA) بشكل أساسي في نقل الشحنات والأشخاص إلى محطة الفضاء الدولية، قبل أن يتراجع عن تهديده.
كما ستكون حصة ماسك في "تسلا"، أكثر أصوله سيولة وتقيّم بأكثر من 100 مليار دولار، معرضة للخطر أيضاً، ولا يقتصر ذلك على ما يُقال عن أن ترمب يدرس بيع سيارة "تسلا" التي اشتراها عندما حوّل البيت الأبيض إلى معرض سيارات لفترة وجيزة في مارس.
فبدايةً، يبدو أن الأمل تبدد في الإبقاء على تخفيضات الضريبة الفيدرالية للسيارات الكهربائية التي جرى خفضها في مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب ويُعرض حالياً على مجلس الشيوخ، ما سيوجه ضربة بنحو 1.2 مليار دولار لأرباح "تسلا" عن العام بأكمله، بحسب تقديرات محللي "جيه بي مورجان".
خلاف ماسك مع ترمب يفاقم أوجاع "تسلا"
يمثل ذلك ضغطاً "تسلا" في غنى عنه في ظل تعاملها مع تراجع المبيعات والتخفيضات الكبيرة (قد لا يحصل ترمب على سعر كبير مقابل سيارة "موديل إس" ذات الاستعمال الطفيف).
ويتزامن ذلك مع مشروع القانون الجمهوري الذي سيُلغي المتطلب التنظيمي للسيارات الكهربائية المدعوم من ولاية كاليفورنيا، وبالتالي سيخفض قيمة التخفيضات الضريبية على المركبات الكهربائية التي أخفت خسارة "تسلا" الأساسية من العمليات في الربع الماضي. بصيغة أخرى: قد يوجه ترمب ضربة إلى النشاط الأساسي للشركة بينما تعاني مشكلات بالفعل.
في المقابل، يُستبعد أن يؤدي خلاف ماسك الجديد مع ترمب إلى إصلاح علاقة "تسلا" بشكل ما مع مشتري السيارات الكهربائية ذوي الميول الليبرالية والوعي البيئي في أسواق مثل كاليفورنيا، إلا بشكل طفيف.
ففي اليوم نفسه الذي شهد تبادل الإهانات بين ترمب وماسك، خفض محللو "جولدمان ساكس" توقعاتهم لمبيعات "تسلا" من السيارات الكهربائية هذا العام إلى أقل من 1.6 مليون وحدة، ما يمثل انخفاضاً كبيراً عن مستويات 2023، لأسباب من بينها استمرار الضرر على العلامة التجارية.
الواقع أن ماسك، بهجومه الذي طال الحزبين، تبنى إستراتيجية غير تقليدية تجعل السوق التي تستهدفها "تسلا" في الولايات المتحدة تقتصر على شريحة الناخبين المتأرجحين المتضائلة.
طموح الهيمنة على السيارات ذاتية القيادة
علاوة على ذلك، فإن تقييم "تسلا" يعتمد بدرجة كبيرة على فكرة أنها ستهيمن على سوق المركبات ذاتية القيادة، رغم أعوام من المواعيد النهائية التي لم تتحقق. لننسى مشروع قانون المركبات ذاتية القيادة الفيدرالي الذي كان ماسك يدعو إلى إصداره، ولكن ما مدى الصعوبة التي ستواجه إدارة ترمب في الضغط عبر الجهات التنظيمية لسلامة المرور ؟.
كما أن هناك شكوكاً كبيرة تحيط بصلاحية نموذج "تسلا" العام للقيادة الذكية، الذي يتميز بأن عدد أجهزة الاستشعار فيه قليلاً (sensor-lite)، فيما يعد النطاق المحدود لإطلاق الخدمة في أوستن بحد ذاته اعترافاً بأنه لا يزال هناك الكثير يجب إثباته.
على سبيل المثال، فإن صدور لائحة تنظيمية تُلزم باستخدام أنظمة تصوير واكتشاف وتحديد المدى بأشعة الليزر ""Lidar، التي يستهين بها ماسك، في السيارات ذاتية القيادة، سيكون إجراءً مبرراً تماماً وفق ما أوضحه الزملاء في "بلومبرغ" في تقرير نُشر في الآونة الأخيرة، لكنه سيشكل عقبة كبرى أمام شركة تصر أن ملايين السيارات التي باعتها مجهزة فعلياً لأن تصبح "روبوتاكسي".
كما أن ذلك سيمثل عقبة كبرى لماسك والمستثمرين الذين انضموا إلى مسعاه، ورغم أن "تسلا" خسرت أكثر من 150 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد، لا يزال تقييم مكرر ربحية سهم "تسلا" عند 130 مرة، أي أعلى من متوسط سهم أي شركة سيارات أخرى 10 أضعاف.
يمثل ذلك قدراً كبيراً من الثقة بمقدور الرئيس أن يقوضها إذا توفر لديه الدافع، ما ستكون له تداعيات مباشرة على ماسك الذي رهن 58% من حصته ضماناً لقروض، بحسب آخر إفصاح قُدم قبل عام. وكلما تراجعت قيمة حصة ماسك على مرأى ومسمع الجميع، أصبح خصماً أضعف.
سلوك ماسك ليس غريبا
بقدر ما يبدو كل ذلك محيراً، إلا أن له جذوره المتأصلة في سجل ماسك الطويل من السلوك غريب الأطوار، والميل إلى بدء معارك لا داعي لها، يُضاف إلى ذلك بالطبع قدرة مجلس إدارة "تسلا" الملحوظة على التواري عن الأنظار.
وأحد أسباب التسامح مع كل ذلك هي قدرة ماسك الخارقة: أي السعي إلى تحويل "تسلا" إلى سهم "ميم"- أي سهم يكتسب شعبية بين المستثمرين الأفراد عبر منصات التواصل الاجتماعي- يرتفع بسردية دائمة التغير عن السيارات الكهربائية، و"الروبوتاكسي"، وفي الآونة الأخيرة، النفوذ السياسي الغاشم.
لكن لسوء الحظ، أدى النفوذ السياسي الغاشم إلى أن يتوقف مستقبل "تسلا" على أهواء واحتياجات شخص آخر موهوب في "الميمات"، وحاد المزاج، ويسيطر على جهاز بيروقراطي قد لا يكون فعالاً، لكن له فوائده.
خاص بـ "بلومبرغ"
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.