علق السفير عمرو حلمي عضو مجلس الشيوخ، علي تطور العلاقات الأوروبية مع إسرائيل ، قائلا: بينما تتجه أنظار العالم إلى نيويورك، حيث تنعقد يوم ١٧ يونيو الجاري أعمال المؤتمر الدولي حول حل الدولتين، برعاية مشتركة من السعودية وفرنسا وتحت مظلة الأمم المتحدة، يتزايد الزخم الدولي بشأن ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإيجاد تسوية سياسية للصراع المتفاقم حيث من المتوقع ان يشهد المؤتمر زياده في عدد الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية من ١٤٨ دولة إلى ما يتراوح بين ١٦٠ الي ١٦٥ دوله، خاصة وانه يأتي في لحظة تاريخية مفصلية، إذ تتصاعد الانتقادات الدولية لسياسات إسرائيل في قطاع غزة، وسط أوضاع إنسانية كارثية وتآكل مستمر في شرعية مواقف بعض الدول الأوروبية التي تواصل دعمها العسكري والسياسي لحكومة يمينية متطرفة في تل أبيب ، وبات على عدد من الدول الأوروبية إعادة النظر في تحالفاتها ومواقفها، في ظل أزمة مصداقية متنامية أمام الرأي العام، خصوصًا مع تصاعد الجرائم في غزة وتدهور الوضع الإنساني إلى مستويات غير مسبوقة.
السفير عمرو حلمي: العلاقات الأوروبية مع إسرائيل تشهد تغيرات ملموسة
وأضاف السفير عمرو حلمي ان العلاقات الأوروبية مع إسرائيل تشهد تغيرات ملموسة، فمع استمرار الحرب في قطاع غزة وسقوط أعداد هائلة من الضحايا المدنيين الفلسطينيين ،لم يعد الدعم الأوروبي لإسرائيل ثابتًا كما في السابق، إذ باتت مشاهد الدمار وتفاقم المجاعة في غزة، إلى جانب تصاعد الدعوات القانونية لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين على ارتكاب جرائم حرب، تضغط على العديد من الحكومات الأوروبية وتضعها أمام اختبار أخلاقي وسياسي غير مسبوق.وقد كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أوائل القادة الأوروبيين الذين وجهوا انتقادات واضحة للسياسات الإسرائيلية. ففي خطاب ألقاه في منتدى أمني في سنغافورة، قال إن ازدواجية المعايير تضعف مصداقية الغرب، متسائلًا عن مدى جدية أوروبا في دعم القانون الدولي إذا كانت تمنح إسرائيل تصريحًا مفتوحًا بمواصلة الحرب في غزة.
وأكد أن تجاهل معاناة الفلسطينيين يهدد بتقويض مصداقية أوروبا في قضايا دولية أخرى، مثل أوكرانيا. وتشير التوقعات الى إمكانية أن تُقدم فرنسا على الاعتراف بالدولة فلسطينية، على غرار ما قامت به دول مثل إسبانيا والنرويج وأيرلندا، وذلك لتعزيز الضغط السياسي على حكومة نتنياهو،
وفي بريطانيا، شهد الموقف الحكومي تحولًا ملحوظًا آذ أعلنت الحكومة البريطانية تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، وفرضت الحكومة أيضًا عقوبات على بعض الشخصيات المرتبطة بجماعات استيطانية متطرفة في الضفة الغربية كما قامت الحكومة ايضاً بفرض عقوبات على وزيرين في الحكومة الاسرائيلية هما بن غفيرو سموتريش وفرض حظر سفر عليهما بسبب تصريحاتهم الوحشية بشأن غزة ،وكان رئيس الوزراء كير ستارمر قد وصف العمليات العسكرية الإسرائيلية بأنها “غير مقبولة ومروعة " رغم عدم اتخاذ قرار نهائي بعد بشأن وقف شامل لتصدير السلاح إلى إسرائيل أو الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية، كما شهد البرلمان البريطاني حراكًا متصاعدًا من نواب من مختلف الأحزاب، بينهم أعضاء في حزب المحافظين، يطالبون بوقف بيع الأسلحة إلى إسرائيل والاعتراف الفوري بدولة فلسطين. كما ساهمت مظاهرات واحتجاجات قادتها منظمات مجتمع مدني وطلاب جامعات في زيادة الضغط السياسي على الحكومة البريطانية لتغيير موقفها بشكل جذري وهو ما لم يحدث بالقدر الكافي حتى الآن
أما في ألمانيا، الحليف التقليدي الأقوى لإسرائيل، فقد بدأت الحكومة تعيد النظر في موقفها التاريخي حيث أعرب المستشار الألماني فريدريش ميرتس عن صدمة بلاده من حجم الكارثة الإنسانية، متسائلًا عن الهدف الحقيقي من العمليات العسكرية الإسرائيلية، ومؤكدًا أن ما يجري لم يعد يندرج ضمن إطار “مكافحة الإرهاب”. كما انتقد وزير الخارجية الألماني السياسات الاستيطانية الجديدة، واعتبرها مخالفة للقانون الدولي وتشكل عائقًا مباشرًا أمام أي حل قائم على الدولتين.
وأكد السفير عمرو حلمي انه رغم أهمية هذه التحولات، يرى محللون أن التغير الأوروبي لا يزال محدودًا وينحصر في نطاق رمزي. إذ يشير جيريمي شابيرو، مدير الأبحاث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى أن الأوروبيين “يمتلكون أدوات ضغط قوية، لكنهم لا يستطيعون حتى الآن في استخدامها بجدية”، معتبرًا أن ما نشهده هو لحظة فارقة في العلاقة الأوروبية مع إسرائيل، لكنها لا تزال في إطار التصريحات الرمزية أكثر من الأفعال المؤثرة. وفي حين أن اعتراف بعض الدول الأوروبية بدولة فلسطينية يمثل خطوة رمزية كبيرة، إلا أن غياب استراتيجية أوروبية موحدة واستمرار الاعتماد على الشراكات الاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل، يعني أن هذه التحركات لن تكون كافية لتغيير الوقائع الميدانية ما لم تُترجم إلى سياسات عملية وقرارات تنفيذية على الأرض.
وأوضح السفير عمرو حلمي أنه رغم تصاعد الأصوات الأوروبية، لا يزال الاتحاد الأوروبي عاجزًا عن اتخاذ موقف موحد بسبب الانقسام بين دوله الأعضاء. فبينما تدعو دول مثل السويد وبلجيكا وأيرلندا إلى فرض عقوبات فعلية على إسرائيل يدخل في إطارها تعليق اتفاقية الشراكة الأوروبية مع اسرائيل واتخاذ قرار أوروبي جماعي بحظر تصدير الأسلحة لإسرائيل وفرض عقوبات علي المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في سياسات استيطانية أو انتهاكات إنسانية، ترفض دول أخرى مثل المجر والتشيك أي خطوات قد تُضعف العلاقة مع تل أبيب. وقد صرحت وزيرة الخارجية السويدية أن بلادها ستضغط من أجل فرض عقوبات أوروبية على وزراء إسرائيليون “يعارضون حل الدولتين ويدفعون بسياسات توسعية غير شرعية”.
وأضاف السفير عمرو حلمي إن لحظة الاختبار التي تواجه الدول الاوربيه اليوم، لا تتعلق فقط بمجرد بموقفها من التطورات المأساوية الحادثة في غزة أو من مستقبل الفلسطينيين ، بقدر ما تتصل بمدى التزام الدول الأوروبية بالمبادئ التي طالما رفعهتا: العدالة، والمساءلة، وحقوق الإنسان. فالتردد في اتخاذ مواقف حاسمة تجاه إسرائيل لم يعد يعكس حيادًا ، بل تواطؤًا صامتًا مع معاناة شعب يُذبح أمام أعين العالم. وإذا لم يتحول هذا الغضب الشعبي الأوروبي المتصاعد إلى خطوات سياسية واقتصادية ملموسة، فإن ما تبقى من مصداقية تلك الدول وادعاءاتها بالتمسك باحترام القانون الدولي الانساني وبحقوق الانسان ستتآكل سريعًا، وستسجل هذه اللحظة ما لم تتخذ الدول الأوروبية قرارات شجاعة كوصمة في ضمير الإنسانية وفي نجاعه مواقفها