تواصل مصر خطواتها الجادة نحو تحقيق حلم طال انتظاره، يتمثل في التحول إلى مركز صناعي إقليمي لـ صناعة السيارات، لاسيما مع انطلاق رؤية واضحة تهدف إلى توطين الصناعات الثقيلة وتقليص الاعتماد على الواردات.
وبدأت ملامح هذا التحول تظهر جليا من خلال شراكات استراتيجية مع كبرى العلامات العالمية، ومن بين هذه العلامات، برزت "سيتروين" الفرنسية، و"جيتور" الصينية، و"بروتون ساجا" الماليزية، والتي اختارت جميعها أن تضع بصمتها الصناعية على الأراضي المصرية، وتبدأ رحلتها في التصنيع المحلي، ما يعزز من قدرة السوق المصري على المنافسة الإقليمية ويخلق آفاقًا جديدة للنمو الصناعي.
سيتروين.. عودة فرنسية بثوب محلي

اختارت "سيتروين"، وهي واحدة من العلامات التاريخية في صناعة السيارات الفرنسية والتابعة لمجموعة "ستيلانتيس"، أن تنضم إلى الحراك الصناعي المصري بدافع من طموحات رؤية مصر 2030.
الشراكة التي عقدتها مع "مجموعة المنصور للسيارات" كانت بداية جديدة لعلامة لطالما ارتبطت بالأناقة والموثوقية في السوق المصري، لكن هذه المرة بحضور صناعي محلي، حيث انطلقت المفاوضات بين الطرفين في أواخر عام 2023، وتركزت حول إنشاء خطوط تجميع محلية (CKD) في مدينة السادس من أكتوبر، التي تعد القلب النابض للصناعة المصرية.
اعتمد المشروع على أحدث تقنيات التجميع وخطط طموحة لتقليل الاعتماد على السيارات المستوردة بالكامل (CBU)، واختارت "سيتروين" طرازي "C3" و"C3 Aircross" ليكونا باكورة إنتاجها المحلي، حيث يتمتعان بسمات السيارات الاقتصادية والعائلية التي تتوافق مع متطلبات المستهلك المصري.
وتقوم الرؤية الاقتصادية للمشروع على زيادة نسبة المكون المحلي تدريجيا لتصل إلى 45% خلال خمس سنوات، ما ينعكس إيجابا على سلاسل التوريد ويتيح خلق مئات من فرص العمل.
جيتور ترسم المستقبل من قلب القاهرة الصناعية

أما "جيتور"، العلامة الطموحة المنبثقة من مجموعة "شيري" الصينية، فقد أكدت بدورها على أهمية السوق المصري كوجهة صناعية واستراتيجية.
وفي مايو 2025، وقعت "جيتور" اتفاقية كبرى مع "مجموعة القصراوي للسيارات" لإنشاء مصنع متكامل بمدينة السادس من أكتوبر، باستثمارات تصل إلى 123 مليون دولار، على مساحة تقدر بـ86 ألف متر مربع.
المصنع الجديد يضم ثلاث وحدات إنتاج رئيسية تشمل أقسام اللحام والدهان والتجميع النهائي، ويعكس التزام "جيتور" بتقديم تجربة تصنيع عالية الجودة.
ويستهدف المشروع في مرحلته الأولى إنتاج 40 ألف سيارة سنويا، على أن تشمل الطرازات المنتجة "جيتور T1" و"T2"، وهما من فئة السيارات الرياضية متعددة الاستخدامات (SUV)، التي تلبي أذواقا متنوعة بين التصميم العصري والتكنولوجيا الذكية.
وينتظر ان يكون هذا المشروع كبيرًا، حيث يوفر مئات فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، ويعمل على تحفيز نمو الصناعات المغذية، مما يسهم في تقليل الاعتماد على مكونات مستوردة، ويضع مصر على خريطة التصدير إلى أسواق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
بروتون ساجا.. "صنع في مصر"

أما التجربة الماليزية فتتجلى في مشروع "بروتون ساجا"، الذي يمثل نموذجا لسيارة سيدان اقتصادية اختارت أن تصنع في مصر بالشراكة مع "عز العرب السويدي للاستثمار الصناعي"، وهذا التعاون بدأ فعليا في سبتمبر 2024، حين أعلنت الشركة عن شحن أول دفعة من حزم التجميع (CKD)، ليدشن المصنع إنتاجه المحلي في ديسمبر من العام نفسه.
المصنع الواقع بمدينة السادس من أكتوبر بني باستثمارات قدرها 50 مليون دولار أي ما يعادل نحو 2.46 مليار جنيه مصري، واستطاع قبل نهاية 2024 أن ينتج 1500 وحدة من طراز "ساجا"، مع خطة توسعية لإنتاج 40 ألف سيارة سنويًا في المرحلة الأولى من التشغيل.
وجاءت الأسعار التنافسية بمثابة حافز كبير للمستهلك، حيث طرحت السيارة في البداية بسعر 660 ألف جنيه، قبل أن ينخفض السعر في فبراير 2025 إلى 629 ألف جنيه للنسخة المجمعة محليا.
تعتمد "ساجا" على محرك رباعي الأسطوانات سعة 1.3 لتر، بقوة 95 حصانًا وعزم دوران يبلغ 120 نيوتن متر، مما يجعلها خيارا عمليا واقتصاديا للأسر المصرية.
ويتجاوز الأثر الاقتصادي للمشروع مجرد الإنتاج، إذ توقعت "بروتون" تحقيق إيرادات بقيمة 570 مليون رينغيت ماليزي من تصدير الحزم إلى مصر بحلول عام 2026، إلى جانب 20 مليون رينغيت من الأجزاء، في حين يستفيد الاقتصاد المصري بنحو 180 مليون رينغيت من الرسوم والضرائب.
أما الضمان الممتد لخمس سنوات أو 150 ألف كيلومتر، فيعزز ثقة المستهلك المصري في المنتج المحلي، ويدعم مكانة "بروتون ساجا" ضمن فئة السيارات الاقتصادية الموثوقة.
الصناعة الوطنية.. تحالفات تصنع الحلم
ما يجمع بين "سيتروين"، و"جيتور"، و"بروتون ساجا" هو الرغبة في دعم الاقتصاد المصري من خلال تبني التصنيع المحلي كنقطة انطلاق لتقليل الواردات والحفاظ على العملة الأجنبية.
وتمثل هذه المشاريع خطوة متقدمة على طريق تحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجميع وتصدير السيارات، بما يواكب خطط التنمية الشاملة ويفتح آفاقًا لفرص عمل مدربة على أحدث تقنيات الإنتاج.
الاستفادة لا تقف عند التصنيع فقط، بل تمتد إلى تطوير الصناعات المغذية وزيادة نسبة المكون المحلي، ما يسهم في خلق دورة اقتصادية متكاملة تدعم التصدير وتنقل التكنولوجيا الحديثة إلى الداخل المصري.

توطين صناعة السيارات في مصر
تمثل خطوات "سيتروين"، و"جيتور"، و"بروتون ساجا" نحو التصنيع المحلي أكثر من مجرد استثمارات عابرة، بل تعكس توجها صناعيا استراتيجيا يؤسس لمستقبل مختلف.
من خلال توطين الإنتاج، وتوفير فرص عمل حقيقية، وتقليل الاعتماد على الخارج، تعيد هذه العلامات رسم ملامح الاقتصاد المصري في واحدة من أهم الصناعات عالميًا.
ومع الدعم المستمر من الدولة، تتأهب مصر لتكون محطة إقليمية رائدة لصناعة وتصدير السيارات، رافعة شعار "صنع في مصر" بكل فخر واعتزاز.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.