حل عيد الأضحى هذا العام ضيفًا خجولًا على بعض قرى سوس التي لبست ثوب “السكون”، فلا صراخ أطفال يهربون من “بوجلود” بالشكل المعتاد ككل سنة، ولا شباب يتسابقون منذ الساعات الأولى للعيد لجمع جلود الأضاحي الطرية. فلأول مرة لم يظهر “بيلماون”، كما يسمى في اللهجة المحلية، في عدة مناطق، في الساحات العمومية والأزقة وهو يطارد الأطفال كالمعهود فيه، ويقدم عروضًا فلكلورية تحمل روح أسلاف الأمازيغ وتعبر عن ثقافتهم التي يعتزون بها.
وحسب مصادر مطلعة فقد عقد والي جهة سوس ماسة اجتماعًا مع عمال أقاليم وعمالات الجهة، قُرِّر خلاله منع تنظيم احتفالات “بوجلود” هذه السنة، وهو القرار ذاته الذي أبلغته السلطات المحلية في جماعة أكلو التابعة إداريًا لإقليم تيزنيت، للجمعيات واللجان المدنية التي تشرف عادة على تنظيم احتفالات “بوجلود” في العديد من القرى بالمنطقة، مع الاكتفاء بتنظيم سهرات فنية يغيب فيها هذا الموروث الثقافي الأمازيغي.
وأثار هذا القرار استياء عدد من الفعاليات المدنية والجمعوية، التي أكدت أن هذه الاحتفالات الشعبية لا تناقض أبدًا التوجيهات الرسمية، في إشارة إلى توجيهات الملك محمد السادس الذي أهاب بمواطنيه عدم إقامة شعيرة نحر أضحية العيد برسم هذه السنة، تخفيفًا للأعباء المالية عنهم، خاصة من ذوي الدخل المحدود، ولإعطاء فرصة لتخليف القطيع الوطني من المواشي، الذي تراجع بشكل كبير جراء توالي سنوات الجفاف والتحديات المناخية والاقتصادية التي واجهت البلاد.
وفي هذا الصدد قال عبد الهادي السملالي، فاعل مدني وعضو لجنة تنظيم احتفالات “بوجلود” بدوار أفود ن تكِّيضا بجماعة أكلو، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “ليس هناك أي سبب واضح ومقنع لمنع احتفالات بوجلود هذه السنة، إذ يبدو من الوهلة الأولى أن الأمر مرتبط بالقرار الملكي بتعليق شعيرة النحر، وهو القرار الذي التزم به عموم المغاربة انطلاقًا من المصلحة المشتركة المتمثلة في تخليف القطيع الوطني الذي تأثر بالجفاف”.
وفي المقابل أشار المتحدث ذاته إلى أن “هناك نقطة تم البناء عليها ربما في منع احتفالات بوجلود، وهي ارتباطها بجلود أضاحي العيد الطرية، أي إن السلطات ربما رأت أن السماح بهذه الاحتفالات قد ينطوي على مخالفة للإرادة الملكية، وهذا غير صحيح”.
وزاد السملالي شارحًا أن “هذه السنة استثنائية بكل تأكيد، ولذلك فإن العديد من الشباب في المنطقة كانوا يستعدون، منذ صدور القرار الملكي، لإحياء احتفالات ‘بيلماون’ من خلال استجلاب جلود المواشي من المجازر العمومية المرخصة، وهي جلود تعود لأضاحٍ موجهة للاستهلاك الداخلي، وقاموا بتخزينها ودبغها لكي تبقى صالحة لمدة طويلة”، وتابع: “كما أن هناك أزياء مدبوغة تُستعمل في هذه الاحتفالات، وحتى هي دُبغت منذ مدة طويلة، حتى ما قبل القرار الملكي، وبالتالي تنتفي العلاقة المباشرة بين بوجلود وأضاحي يوم العيد، أي إنه لا يوجد سبب مقنع لمنع هذه الاحتفالات بما أنه لا توجد أي مخالفة لقرار منع شعيرة النحر”.
وأكد الفاعل المدني ذاته أن “الشباب من أبناء المنطقة التي دأبت على إحياء هذا الاحتفال منذ أزيد من خمسة عقود تقبلوا على مضض قرار السلطات المحلية منع الاحتفالات”، مبرزًا أنه “رغم ذلك حرصت اللجنة المنظمة على تنظيم سهرات فنية بهذه المناسبة، وذلك لإيصال رسالة بأن ‘بيلماون’ هو موروث ثقافي ورمز للهوية والتميّز، وأن الجيل الحالي، كما الأجيال السالفة، متشبثون به باعتباره ليس مجرد طقس احتفالي، بل تعبيرًا عن الذات والانتماء”.
من جهته أوضح الحسين العمري، أستاذ الأنثروبولوجيا ومهتم بقضايا التراث، أن “قرار منع مثل هذه التظاهرات الثقافية والتراثية ليس الأول من نوعه، فقد حدث ذلك أيضًا في سنوات الستينيات والسبعينيات حين تم حظر الاحتفال بكل ما له علاقة بالثقافة الأمازيغية والتراث، لأسباب إيديولوجية بالدرجة الأولى، بسبب المد الإسلامي آنذاك، غير أن تراجع هذا المد أعاد هذه المظاهر الاحتفالية إلى الوجود”.
وتابع المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأن “القرار الملكي القاضي بعدم نحر أضحية العيد لهذه السنة كان وقعه إيجابيًا جدًا على عموم المواطنين المغاربة، وقد كان واضحًا وتم إصداره بناءً على معطيات، لكنه لم ينص على منع التظاهرات التراثية، وبالتالي فإن القرار الصادر عن السلطات فيه نوع من الاجتهاد غير المطلوب، وليس في محله مطلقًا”.
وأشار العمري إلى أن “تنظيم هذه الاحتفالات لا ينطوي على أي مخالفة للتوجيهات الملكية، ذلك أن جلود المواشي التي تُستعمل في هذا الاحتفال موجودة في المجازر، ويمكن الحصول عليها بسهولة، وبالتالي فلا يمكن ربط بوجلود بأضاحي العيد وافتراض سوء النية في هذا الطقس، أو إصدار اجتهادات وقرارات تضرب في العمق احتفالًا شعبيًا يشكل جزءًا أصيلًا من الهوية والتراث الأمازيغيين، ويعكس تنوع المجتمع المغربي وعمقه الحضاري؛ إذ إن هذا المنع يفتح المجال لضعف التواصل بين الأجيال، ويؤدي إلى تآكل القيم الثقافية التي تميز المجتمع السوسي الأمازيغي”.