بدا أن العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والملياردير إيلون ماسك، وصلت إلى طريق مسدود، بعدما كان الطرفان في تحالف سياسي واقتصادي.
الباحث المتخصص في الشؤون الأمريكية، عزت إبراهيم، كتب عبر صفحته على فيسبوك تحت عنوان "ما هي "فضيحة إبستين" التي يهدد بها ماسك الرئيس ترامب؟"
كتب الباحث المتخصص إبراهيم عزت: "تعمقت الهوة بين دونالد ترامب وإيلون ماسك إلى درجة غير مسبوقة، بعد أن اتهم ماسك الرئيس الأميركي بأنه متورط في ملفات جيفري إبستين، في اتهام خطير جاء بدون أدلة لكنه أحدث صدمة في المشهد السياسي والإعلامي الأميركي. تصريحات ماسك جاءت في ذروة سجال علني بين الطرفين حول "مشروع قانون واحد جميل وضخم"، الذي يتضمن رفع سقف الدين الفيدرالي الأميركي بمقدار 4 تريليونات دولار، وهو ما عارضه ماسك بشدة".
يضيف الباحث: "انفجرت المواجهة العلنية بين الرئيس الأميركي والملياردير التكنولوجي عبر منصتي "تروث سوشال" و"إكس"، حيث هدد ترامب بقطع العقود الحكومية مع شركات ماسك مثل "سبيس إكس"، فيما رد الأخير بتحدي مباشر، قبل أن يسقط قنبلته الإعلامية متهمًا ترامب بالظهور في "ملفات إبستين" وأن هذا هو السبب في عدم نشرها بشكل كامل. رغم غياب الأدلة، فإن التصريح أعاد إلى الواجهة علاقات ترامب القديمة بإبستين".
“ملفات إبستين التي تحدث عنها ماسك تشير إلى وثائق قضائية وسجلات رحلات جوية وبيانات جمعتها السلطات الأميركية أثناء التحقيقات المتعددة في شبكة الاستغلال الجنسي التي أنشأها إبستين. ورغم أن جزءًا منها قد أُفرج عنه بالفعل، فإن أجزاء أخرى لا تزال سرية، مما يغذي الشائعات والنظريات حول تورط شخصيات نافذة تم التستر على أسمائها”.
يتابع البلحث إبراهيم عزت: "العلاقة بين ترامب وإبستين تعود إلى التسعينيات، حين كانا يشاركان في حفلات ومناسبات خاصة في فلوريدا ونيويورك. وقد تم تصويرهما عدة مرات معًا، وقال ترامب في مقابلة عام 2002 إنه يعرف إبستين منذ 15 عامًا ووصفه بأنه "شخص ممتع ويحب النساء الجميلات كما أفعل أنا". لكن هذه العلاقة انتهت عام 2004 بعد خلافات حول عقارات، وادعى ترامب لاحقًا أنه طرد إبستين من ناديه الخاص "مار-آ-لاغو" بسبب محاولته تجنيد إحدى العاملات".
"في المقابل، لم يُقدَّم ماسك حتى الآن أي دليل علني على تورط ترامب في الجرائم التي اتُهم بها إبستين، ولم تُظهر سجلات الرحلات التي نُشرت أن ترامب سافر إلى جزيرة إبستين الخاصة، "ليتل سانت جيمس"، رغم أنه استقل طائرته في بعض المناسبات. ومع ذلك، فإن وجود اسمه في بعض الوثائق لا يعني بالضرورة إدانة قانونية، لكنه كافٍ لإثارة الجدل السياسي والإعلامي".
يضيف الباحث عزت: “يأتي توقيت هذه الاتهامات في لحظة شديدة الحساسية، حيث يواجه ترامب تحديات قضائية متعددة من جهة، ويخوض صراعًا داخليًا في إدارته من جهة أخرى، وسط تصاعد التوترات مع بعض حلفائه السابقين، مثل ماسك، الذي بات يمثل صوتًا يمينيًا مستقلًا يرفض الخط السياسي التقليدي للبيت الأبيض. يُنظر إلى هذا التصعيد على أنه فصل جديد من انقسام النخبة اليمينية بين القوميين والمحافظين التكنولوجيين”.
وفق الباحث المتخصص في الشؤون الأميركية فإن صحيفة "نيويورك تايمز" ذكرت في تغطيتها أن الهجوم الذي شنه ماسك على ترامب قد يشكل تهديدًا خطيرًا على تحالفات ترامب السياسية، خاصة أن ماسك يمثل صوتًا مؤثرًا في أوساط الشباب المحافظين ورواد الأعمال الذين دعموا ترامب سابقًا. كما نبهت إلى أن صراع المصالح بين الطرفين حول إعانات السيارات الكهربائية والعقود الفيدرالية يزيد من تعقيد العلاقة.
كما ذكر عزت أن صحيفة "واشنطن بوست" أفادت بأن فريق ترامب القانوني بدأ يبحث في تداعيات تصريح ماسك من زاوية التشهير المحتمل، بينما لم يبدُ أن ماسك ينوي التراجع أو حذف منشوراته. وذكرت الصحيفة أن بعض مساعدي ترامب نصحوه بعدم الانجرار وراء المعركة الإعلامية مع ماسك، لكن الرئيس الأميركي رد عليهم قائلًا إنه "لن يتراجع أمام ابتزاز نخب وادي السيليكون".
يوصح عزت أن في الجانب القانوني، قالت مجلة "فورين بوليسي" إن الكشف المنتظر عن دفعة جديدة من وثائق إبستين قد يعيد خلط أوراق عدة في واشنطن، خاصة مع تأكيد النائب العام بام بوندي بأن آلاف الوثائق لا تزال قيد المراجعة، وستُنشر بعد إجراء التنقيحات اللازمة. ويترقب الإعلام الأميركي تلك الوثائق، وسط تساؤلات عن ما إذا كانت ستكشف عن مزيد من الأسماء النافذة.
وفق عزت "فعلى الجانب السياسي، يربط مراقبون بين الهجوم العلني لماسك وتصاعد خلافاته مع إدارة ترامب على خلفية فرض قيود تنظيمية على شركات التكنولوجيا الكبرى، إضافة إلى تقليص إعانات السيارات الكهربائية، وهو ما اعتبره ماسك "إجراءً انتقاميًا" ضد مصالحه التجارية، خاصة بعد دعمه الصريح لسياسات تقشفية تعاكس التوجه الحالي للإدارة".
يضيف: “انتقال الخلاف من مجال السياسات الاقتصادية إلى الاتهامات الأخلاقية يشير إلى تحول نوعي في علاقة الرجلين، وقد يُفسَّر كمؤشر على تحول المزاج السياسي داخل معسكر اليمين الأميركي. فبينما يمثل ترامب خطًّا قوميًا شعبويًا، يتبنى ماسك خطابًا تقنيًا نخبويا يعارض التضخم الحكومي ويتبنى مواقف شبه ليبرتارية”.
يوضح ان صحيفة "وول ستريت جورنال" علّقت بأن هذه المواجهة قد تهدد عقود الدفاع والفضاء بين الحكومة وشركة "سبيس إكس"، خصوصًا إذا سعى ترامب فعليًا إلى تجميد التمويل أو إنهاء الشراكات. ورجّحت الصحيفة أن تتحول هذه الأزمة إلى معركة قضائية في حال استمرت التصريحات المتبادلة، وقد تُفتح ملفات أخرى تتعلق بعلاقات ماسك مع وزارة الدفاع.
يتابع الباحث المتخصص إبراهيم عزت: “من جهة أخرى، تطرح هذه القضية تساؤلات أوسع حول قدرة نخبة التكنولوجيا في أميركا على الحفاظ على تأثيرها في عهد ترامب الثاني، خاصة مع تصاعد العداء المتبادل بينهم وبين دوائر النفوذ التقليدية في الحزب الجمهوري. يُنظر إلى ما حدث كمؤشر على بداية إعادة ترتيب التحالفات داخل الإدارة الأميركية، وربما خارجها”.
:معلقون في صحيفة "ذا أتلانتك" أشاروا إلى أن تصريح ماسك، حتى إن لم يكن مبنيًا على دليل، يعكس تنامي مناخ عدم الثقة بين رموز اليمين، كما يعكس استخدام "ملف إبستين" كسلاح سياسي، بعد أن كان في السابق مجرد موضوع للفضائح الإعلامية. ويبدو أن هذا الملف لم يُغلق بعد، وأن استغلاله سياسيًا سيظل مستمرًا".
يوضح أن قناة "فوكس نيوز" أوردت أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يتهيأ لنشر وثائق إضافية مرتبطة بإبستين، في خطوة قد تزيد من الضغوط على شخصيات عامة، وقد تثير جدلًا جديدًا حول الشفافية والرقابة على السلطة القضائية. غير أن المصادر الرسمية تؤكد أن عملية النشر ستتم ضمن قواعد صارمة لحماية الضحايا.
في المقابل، قال مستشارو ترامب الإعلاميون إن تصريحات ماسك تهدف إلى صرف الأنظار عن مشكلات ماسك نفسها، ومنها الخسائر الأخيرة في سوق الأسهم لتسلا والتحقيقات الجارية حول احتكار منصته "إكس" للمحتوى السياسي. وادعوا أن ماسك يسعى لإعادة بناء صورته عبر خلق معركة مع الرئيس.
يتابع عزت: "يُعد ماسك من أبرز الداعمين السابقين لترامب، لكنه منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض أصبح ينتقد سياساته المالية والتكنولوجية، ويصفها بأنها "انحراف خطير عن الاقتصاد الليبرالي". ويبدو أن ماسك بات يتموضع كمنافس سياسي غير مباشر، يسعى لقيادة تيار يميني مختلف لا يعتمد على الشعبوية بقدر ما يركز على التفوق التكنولوجي".
يشير الباحث في الشؤون الأمريكية عزت إبراهيم إلى أن “الملفت في السجال أنه جرى بالكامل على منصات يملكها الطرفان، مما يعكس تغيّر بنية الخطاب السياسي الأميركي، حيث لم تعد وسائل الإعلام التقليدية هي ساحة الصراع، بل باتت المنصات الشخصية أداة للتحشيد، والهجوم، وبث الاتهامات. وهو تطور يثير القلق بشأن طبيعة الديمقراطية في عصر ما بعد الحقيقة”.
“التوتر الحالي قد يُترجم إلى شلل سياسي، خاصة أن ترامب يعتمد جزئيًا على شركات التكنولوجيا الكبرى لتحقيق بعض أهدافه الاستراتيجية، سواء في الذكاء الاصطناعي أو الفضاء أو الأمن السيبراني. لكن إذا استمرت الحرب المفتوحة بين الطرفين، فقد تضطر شركات التكنولوجيا لإعادة حساباتها في التعامل مع البيت الأبيض”.
"محللون في شبكة "سي إن إن" أشاروا إلى أن هذه الحادثة تكشف هشاشة العلاقات داخل التحالف اليميني، وأن فكرة وجود جبهة موحدة خلف ترامب باتت مشكوكًا فيها. وأضافوا أن الصدامات بين المصالح الاقتصادية الكبرى والإدارة الأميركية قد تكون نواة لأزمة سياسية أوسع إذا لم تُعالج بحكمة".
يختتم عزت منشوره بالقول: "وفي النهاية، فإن مصير "ملفات إبستين" لا يزال غامضًا، لكنها عادت لتطفو على السطح كأداة في حرب النخبة الأمريكية، مما يكشف إلى أي حد باتت الخصومات الشخصية تُترجم إلى اتهامات أخلاقية واستراتيجيات إعلامية. وقد لا يكون ما نراه سوى بداية فصل جديد في هذا الملف الغامض".