في ظل الحرب المستمرة والحصار الخانق على قطاع غزة، واجه أهالي القطاع تحديات هائلة في التحضير لعيد الأضحى المبارك لعام ٢٠٢٥، حيث اختفت غالبية مظاهر الاحتفال التقليدية مثل ذبح الأضاحي وتجمعات العائلات.
وفقًا لتقرير لأسوشيتد برس، أكد سكان غزة أن الحرب الإسرائيلية والحصار المفروض منذ أكتوبر ٢٠٢٣ قضيا على بهجة العيد، مع منع دخول اللحوم الطازجة لثلاثة أشهر متتالية وموت معظم المواشي المحلية بسبب القصف ونقص العلف، مما جعل إحياء شعائر العيد شبه مستحيل.
وتعاني العائلات الغزية من أوضاع إنسانية كارثية، وأشار عبد الرحمن ماضي، أحد سكان القطاع، إلى استحالة شراء الخبز، ناهيك عن اللحوم أو الخضروات، بسبب الأسعار الباهظة الناتجة عن الحصار.
في خان يونس، لجأت نساء مثل هالة أبو نقيرة إلى البحث عن الطحين بأسعار معقولة لإعداد كعك العيد فوق ركام المنازل المدمرة، في محاولة يائسة للحفاظ على بعض التقاليد. هذه الصور تعكس صمود الشعب الفلسطيني، لكنها تبرز أيضًا حجم المأساة التي أطفأت روح الاحتفال بالعيد.
وتتفاقم الأزمة مع استمرار النزوح وشبح المجاعة، حيث أفادت الأمم المتحدة أن ٩٦٪ من المواشي و٩٩٪ من الدواجن في غزة قد ماتت، وأن ٩٥٪ من الأراضي الزراعية أصبحت غير صالحة للاستخدام بسبب الدمار أو القيود العسكرية الإسرائيلية.
في شمال القطاع، قامت مبادرات محلية مثل فريق أهل غزة بتوزيع كسوة العيد على ١٥٠ طفلًا نازحًا، لكن هذه الجهود تبقى محدودة أمام حجم الاحتياجات. الأطفال، الذين كانوا ينتظرون العيد في السابق لشراء الحلوى والملابس الجديدة، يتزاحمون الآن على وجبات هزيلة مثل الشوربة، مما يعكس الواقع القاسي الذي يعيشه القطاع.
وعلى الرغم من هذه التحديات، حاول سكان غزة الحفاظ على شعائر العيد الدينية، مثل صلاة العيد والتكبير، لكن الحزن يطغى على الأجواء. وسلط التقرير الضوء على رشا أبو سليمة، وهي أم نازحة من رفح، تحدثت عن عودتها إلى منزلها المدمر لإحضار ما تبقى لدى الأسرة من ملابس ونظارات شمسية بلاستيكية لتوزيعها على بناتها كهدايا العيد، معبرة عن عجزها عن توفير اللحوم أو حتى الخبز. كما أشارت كريمة نجيلي، وهي نازحة أخرى، إلى أن الفلسطينيين في غزة لم يشهدوا أي فرح خلال الأعياد الأربعة الأخيرة، سواء عيد الأضحى أو عيد الفطر، حيث غابت الأضاحي والكعك وملابس العيد، مما يعكس عمق الأزمة الإنسانية.
وتزيد الأوضاع تعقيدًا مع استمرار الحصار، الذي خفف قليلًا قبل أسبوعين للسماح بدخول شاحنات مساعدات محدودة تحمل الطحين، لكن الأمم المتحدة أكدت أن توزيع هذه المساعدات يواجه عقبات بسبب النهب والقيود العسكرية الإسرائيلية. هذا الوضع دفع العائلات إلى إعادة استخدام الملابس القديمة أو البحث عن ألعاب بدائية للأطفال، مثل الأراجيح المصنوعة من الحبال.
تصريحات الأهالي، كما نقلتها وكالة أسوشيتد برس، تعبر عن شعور بالعزلة والإحباط، حيث يستمر الصمت الدولي تجاه معاناة غزة، مما يفاقم إحساس السكان باليأس ويحول العيد من مناسبة للفرح إلى تذكير مؤلم بالخسارة.
رغم هذا الواقع القاتم، تظهر بعض العائلات إصرارًا على خلق لحظات صغيرة من الأمل. في مواصي، على الساحل الجنوبي للقطاع، شوهد أطفال يلعبون بالقرب من حظيرة مؤقتة تحتوي على عدد قليل من الأغنام والماعز، مرددين تكبيرات العيد بضحكات خافتة، كما لو كانوا يتشبثون ببقايا الفرح. لكن هذه اللحظات لا تخفف من الألم العام، حيث أكدت نجيلي أن العيد أصبح مجرد ذكرى للخسائر، مع غياب الأقارب الذين استشهدوا أو شردوا، مما يجعل التجمعات العائلية مستحيلة.
وعلى المستوى الإنساني، يواجه القطاع تحديات غير مسبوقة في ظل تدهور البنية التحتية ونقص الموارد. تقرير الأمم المتحدة أشار إلى أن أكثر من مليوني شخص، أي معظم سكان غزة، نزحوا من ديارهم، واضطروا للانتقال مرات عديدة هربًا من الهجمات الإسرائيلية. هذا النزوح المتكرر، إلى جانب انهيار القطاع الزراعي، جعل الاعتماد على المساعدات الخارجية هو الملاذ الوحيد، لكن حتى هذه المساعدات لا تصل بشكل كافٍ، مما يترك العائلات في مواجهة جوع متواصل وأمل متلاشٍ باستعادة بهجة العيد كما كانت.