د. نبيل فزيع
يتمتع إقليم كردستان العراق بخصوصية ثقافية وسياسية وتاريخية، ويعيش فيه أكثر من 6 ملايين نسمة، بينهم التركمان والآشوريين والكلدان والمسيحيين، له برلمان وحكومة طبقا للدستور الصادر عام 2005 والذي أقر الحكم الفيدرالي، ومنح الأقاليم والمحافظات صلاحيات واسعة في إدارة شؤونها الداخلية.
لكن هذه الصلاحيات لم تمنع الأزمات المتكررة بين بغداد وأربيل، خاصة فيما يتعلق بالموارد المالية والنفطية، واليوم، تعود الأزمة إلى الواجهة بقوة بعد قرار وزيرة المالية الاتحادية طيف سامي إيقاف تمويل رواتب موظفي الإقليم، متذرعة بـ”تجاوز كردستان حصتها المحددة في الموازنة (12.67%)”، هذا القرار أشعل فتيل أزمة سياسية قد تتحول إلى بركان يهدد الاستقرار في العراق بأكمله، فمن غير المتصور أن يعيش سكان الإقليم بلا دخل أو قوت لمجرد قرار حكومي ولو كانت وراؤه أسباب سياسية، فهي حكومة مسؤولة عن الشعب العراقي بكافه مكوناته.
تشير مصادر إلى أن العقود النفطية الأخيرة التي أبرمها الإقليم هي التي فجرت الأزمة، وتقدر قيمتها بـ110 مليارات دولار، بينما تؤكد حكومة الإقليم أنها تلتزم بالدستور، خاصة المادة 115 التي تمنح الأقاليم الحق في إدارة مواردها، وفيما تتهم بغداد أربيل بالتهرب من تسليم الإيرادات النفطية إلى الخزينة الاتحادية، يرى الكرد أن بغداد تمارس “سياسة التجويع والعقاب” لفرض هيمنتها المركزية، متجاهلة مبدأ الفيدرالية الذي قام عليه الدستور.
واستقبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وفداً من كتلة حزب الاتحاد الإسلامي الكردستاني، وتم التأكيد على “ضرورة إيجاد حلول دستورية”. لكن الخطاب الرسمي من بغداد لا يزال مشوباً بالتوجس، حيث دعت قوى “الإطار التنسيقي” إلى “التعامل مع القضايا الوطنية وفق الدستور”، في إشارة إلى قرارات المحكمة الاتحادية التي تقيد صلاحيات الإقليم.
وأعرب الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني عن أسفه لـ”عقلية بعض المسؤولين في بغداد التي تتنصل من الفيدرالية وتعود إلى المركزية” بعد سنوات من سقوط النظام الديكتاتوري.
ونرى أن ما تقوم به الحكومة العراقية اليوم ليس سوى استفزاز قد يدفع بإقليم كردستان إلى المطالبة بحقوق أكبر، ربما بينها الاستقلال التام تفعيلا لنتائج الاستفتاء الذي جرى قبل سنوات في هذا الخصوص، فالسياسة التي تتبعها حكومة بغداد تقضي تماما على الانتماء الوطني، فهي تعلم جيدا أن كردستان شريك دستوري وليس تابعا أو خصما أو عدوا، والاستقلال هو طوق نجاة من عقليات ترفض عراقا اتحاديا موحدا فيدراليا، وطريقة بغداد في التعامل مع الخلافات تستثير ذاكرة الكرد الذين فتت الاستعمار إقليمهم ووزعهم داخل حدود سياسية مستحدثة لتعاملهم أنظمة حكم وكأنهم أقليات وليسوا أصحاب وطن.
إن التجويع ليس حلاً، والعراق يحتاج إلى حوار حقيقي، وإلا، فإن بركان الأزمة هذا قد يثور عاجلاً أم آجلاً، وسيكون الجميع خاسرين.
*الكاتب محام بالنقض وخبير قانون دولي