
على الرغم ميزاتِها المجالية المُتعدِّدة، فإن سوق الأربعاء تُعيد تدويرَ الزمن وإعادة إنتاج نفسها بشكلٍ ارتدادي في ما يُشْبه متاهةً مُستدامة. اختلَفتْ وتعدّدت طموحات الأجيال وتوقُّعاتُهم، لكن وتيرةَ التنمية المجالية والتأهيل التُّرابي تكاد لا تُرى قياسا إلى جَعجعة الطحين وانقضاءِ الزمن. بلا شك، فإن المسؤولية والمسألة مُرَكّبةٌ. من باب المُواطَنة المحلية والالتزام بشُؤُون وشُجُون الانتماء، أقترحُ ما أرى، عن مُمارسةٍ وارتباطٍ عُضوي، أنه يُشكّل المداخلَ الاستراتيجية لتنميةٍ حقيقية وارتقاءٍ مجالي بهذه المدينة المُتعَثِّرة.
المدخل الأول: لا لبقاء اسم المدينة، وقد سبق وكتبتُ تفسيرا تاريخيا وطُوبُونيميا عن تطوُّر اسم المدينة منذ الوجود الأمازيغي الأول: أزغار، مُرُورا بالعهد الروماني: فوبيسيانا، والعهد الإسلامي: طليق، الهبط، الدعداعة، سيدي عيسى، أربعاء سيدي عيسى، وهو الاسم الذي كان مُعْتَمَدا حتى بداية الاستعمار الفرنسي للمنطقة، وصُولا إلى مرحلةِ الاستقلال واعتماد اسم سوق أربعاء الغرب بشكل رسمي. هذا دون احتساب الألقاب الرومانسية العابرة مثل: المدينة السويسرية الصغيرة، مدينة الزهور. إن الإبقاء على صفةِ “سوق” مرتبطةً بجماعةٍ اعتُبِرَتْ بلديةً منذ 1958 بظهير شريف هو مَظْلَمةٌ كُبرى لهذا المجال وتكريسٌ لذهنيةِ البَداوة، لأن تسميةَ الأشياء والأمكِنة لَصِيقٌ بما تُحيل عليه من دلالةٍ ورمزيةٍ ومن شُحنةٍ نفسية وذهنية تنعكس على سُلوكيات ومَواقف وتَصوُّرات الناس. في هذا المقام، تعدّدت الأسماء البديلة مثل: الرابطة، كونها تربط محاور واتجاهات المغرب الأربعة، ثم الحَسنية نسبةً إلى الأمير مولاي الحسن، وهو ما تُحَدِّده وتُنَظِّمُه قوانين ومعايير خاصة لإطلاق تسمياتٍ مَلكية وتشريفية، لا أظُن أنها تنطبق الآن على الواقع المحلي. من باب الاقتراح، قد يكون مُلائما أن تعود لاسمِها السابق: سيدي عيسى، وتُحافظَ على هويةِ مُؤسِّسِها الولي والمُجاهد الشهيد العلَاّمة سيدي عيسى بن الحسن المصباحي، بذلك تَنسج ضمن نسيجٍ عُمراني مُندمج في منطقةِ الغرب على غرار مُدن: سيدي يحيى، سيدي سليمان، سيدي قاسم.
المدخل الثاني: لا لبقاء السوق الأسبوعي، لأن ظاهرة السوق الأسبوعي قد ظهرت وارتبطت بهذا المجال التُّرابي في سياقٍ تاريخي واجتماعي ومجالي أصبح مُتَجاوَزا الآن، بل إنه عائقٌ هائلٌ أمام التطوُّر التنموي وتأهيل المجال والإنسان، إذْ ليس مُنسجما تماما إقامة سُوقٍ أسبوعي تَحُجُّ إليه الرَّوافد القرويةُ بعشرات الآلاف وسَطَ المجال الحضري، فهي مُفارَقةٌ سوريالية تتعارض مع أبسط تعريفٍ أو هدفٍ للتنمية البشرية. إن ثقافة السوق تنسجم مع مجالٍ قروي ريفي بمُكَوِّناتِه الفلاحية والزراعية وطبيعة الامتداد المجالي والمُمارَسات والأنشطة المهنية والحِرفية واليدوية التي تتطَلَّبُها حياةُ القرية. ممّا لا شك فيه أن السوق الأسبوعي هو موردٌ مالي مهم لجماعةِ سوق الأربعاء، لكن أضرارَه وانعكاساته على المجال كثيرة، منها مثلا الآثارُ البيئية والإيكولوجية التي تُسَبِّبُها مختلف أنواع المَرْكبات والدَّواب، إضافة إلى التأُثير على البنية التحتية والمُنْشآت القليلة التي يتم إنجازُها، بحيث تُنْفِقُ الجماعةُ الحضرية على ما تُلْحِقُه الجماعاتُ القروية من أضرارٍ بالمجال. يُضاف إلى ذلك أن السوق، بمظاهره المُدَمِّرَة المُضادَّة لصيرورةِ التحديث والنظام والتَّمدين، ينعكس لا إراديا على ذهنيةِ وسُلوكِ وتصرُّفاتِ مُواطنِ الجماعة الحضرية في مُجْرَيات حياتِه طيلةَ باقي أيام الأسبوع، لأن الحدث الجماعي الأبرز المُعَبِّر عن الهوية المحلية يبقى هو السوق، بالتالي يصير هو البنيةَ المركزية والمَرجعية في السلوك والفعل والرُّؤية. وكبديلٍ عن المَورد المالي للسوق، يمكن إحداثُ أسواقٍ نموذجية حضرية تربط بين أحياء المدينة، مما سيُشكل مَوْرِدا ماليا يُضاهي السوقَ الأسبوعي، بل إن إحداث موارد بديلة مُبتَكَرة يبقى حلا آخر، مثل إحداث مسبح بلدي أو اثنين في ظل غيابٍ تام لهذا المَرفق الحيوي، بحيث يَلجأ أبناءُ المدينة إلى ساقيةِ مياهِ الرَّي، حيث يلقى عددٌ سنوي حَتْفَهُم على مَرْأَى ومَسمعِ الكُل.
المدخل الثالث: لا لبقاء محطة القطار على تلك المساحة الجغرافية الهائلة قياسا إلى مجموع المجال التُّرابي لجماعةِ سوق الأربعاء، إذْ هناك مساحةٌ إجمالية بحوالي 26 هكتارا فارغة تَفْصِلُ جِهَتَيْ المدينة تُقَسِّمُها وتَقْصِمُها شَطْرَين، بالتالي هناك هويةٌ مجالية انشطارِية لا يتحقق فيها مبدأٌ تنموي ومجالي أساسي وهو الاندماجية والالتقائية، عِلْما أن السِّكك الحديدية حسب علمي، لا تَتَوفّر على أي وثيقة تُثْبِتُ ملكيَتَها لهذا الوعاء العقاري، بحيث إنه في الأًصل مِلكٌ جماعي مَنَحَهُ رئيسُ أول مجلس جماعي السيد أحمد القباج للمكتب الوطني للسكك الحديدية لتوسعةِ فضائِها وإحداث محطةٍ للشَّحن اللوجستيكي، وهو ما لم يتحقق منذ الستينيات إلى اليوم، مُتَسَبِّبا في عاهةٍ مجالية مُستدامة بين الضِّفَّتَين، عاهة تَمتدُّ كأنها بَرْزَخٌ قَسري وقَهري، يُكَرِّسُ الفَوارقَ والتَّفْرِقَة المجالية، ويَمنع الوحدة العضوية المطلوبة في أيِّ كيانٍ مُجْتَمَعي. إنه تشويهٌ مجالي لن يُقيم قائمةً للمدينة. إذ لا بُدَّ من إعمارِ ذلك الامتداد الهائل بمشاريع تَنفع الصالح العام وتَجْمع شتاتَ الأرض، على غرار السَّكن الاقتصادي الذي ما أحوَج الساكنةَ له، أو أسواق تجارية عصرية على غرار “مرجان”، “أتقداو”، أو مساحات خضراء، أو إحداث منطقة رياضية، أو كلية متعددة التخصُّصات.
إن الإبقاء على الثالوث القاتل: اسم المدينة وذهنية السوق وتقسيم الوحدة العضوية، هو بلا شك إبقاءٌ على مصلحةٍ انتخابية واضحة لا لبس فيها، إذْ إن نظرةً إحصائية على العَيِّنات الانتخابية المُشكِّلة للمجالس المُتعاقِبة مُعارَضَةً وأغلبيةً، تؤكد بشكلٍ قطعي أنها انعكاسٌ لذهنيةِ ومظاهرِ التخلُّف والتراجُع والسوق، كما أنه إبقاءٌ على وضعيةٍ مجالية تُلائِم بنيةَ السلطة بدءا من الأعوان إلى الرُّؤساء ضمن عَيِّنَةٍ لا تَزال تعيشُ خارج المفهوم الجديد للسلطة والرهانات التنموية الكُبرى كما يَسهر عليها ويَصبو إليها عاهلُ البلاد.