في خطوة تعكس ثقة عالمية متزايدة في الاقتصاد المصري ومتانة قطاعه المصرفي، أعلن البنك الصناعي والتجاري الصيني (ICBC)، أحد أكبر البنوك في العالم، عن دراسته الجادة للتوسع في السوق المصرية، سواء عبر فتح فرع له أو تأسيس بنك متكامل يقدم خدماته من قلب القاهرة.
جاء هذا الإعلان خلال لقاء رفيع المستوى جمع حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي المصري، بـ ليو جون، رئيس البنك الصناعي والتجاري الصيني ICBC، وذلك بمقر البنك المركزي بالقاهرة.
وشهد اللقاء مناقشات معمّقة تناولت آفاق التعاون الثنائي بين مصر والصين في المجالات الاقتصادية والمالية والتجارية، وسبل تطوير الشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين.

السوق المصرية تحت المجهر الصيني
وأعرب ليو جون خلال الاجتماع عن اهتمام البنك بالصعود إلى السوق المصرية، مشيرًا إلى أن بلاده تنظر بإعجاب إلى تطور البيئة الاستثمارية في مصر، لا سيما في القطاع المصرفي، الذي أثبت صلابته في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية، واحتفظ بمؤشرات أداء قوية على مدار السنوات الماضية.
وأضاف أن السوق المصرية تمثل فرصة واعدة للتوسع، بفضل موقعها الجغرافي الفريد كبوابة للأسواق الأفريقية والعربية، ونموها السكاني الكبير، فضلًا عن الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية التي قامت بها الحكومة المصرية بالتعاون مع المؤسسات الدولية.
البنك الصناعي والتجاري الصيني: عملاق مالي عالمي
البنك الصناعي والتجاري الصيني ICBC ليس مجرد مؤسسة مصرفية تقليدية، بل هو عملاق اقتصادي بكل المقاييس، فقد تصدر لسنوات متتالية قائمة أكبر البنوك في العالم من حيث إجمالي الأصول والرسملة السوقية، ويقدم خدماته المصرفية لأكثر من 500 مليون عميل حول العالم، من خلال شبكة فروع تمتد إلى أكثر من 40 دولة.
ويعتبر ICBC ذراعًا مالية رئيسية لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية، التي تسعى إلى تعزيز الروابط التجارية والمالية بين الصين ومختلف دول العالم، بما فيها الدول الأفريقية والعربية، وفي هذا السياق، تأتي دراسة دخول ICBC إلى السوق المصرية كخطوة طبيعية ضمن رؤية البنك التوسعية على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا.
محافظ المركزي: نرحب بالشراكات الاستراتيجية
من جانبه، أكد حسن عبد الله، محافظ البنك المركزي المصري، أن مصر ترحب بجميع المؤسسات المالية الجادة التي تسعى للاستثمار في السوق المحلية، موضحًا أن وجود بنك بحجم ICBC يمثل إضافة نوعية للقطاع المصرفي المصري.
وأشار إلى أن البنك المركزي يدعم تنويع مصادر التمويل وتعزيز الشمول المالي، كما يعمل على خلق بيئة تنظيمية مستقرة ومرنة تجذب الاستثمارات الأجنبية، وتدعم تكامل النظام المالي المصري مع الاقتصاد العالمي.
وأكد عبد الله خلال الاجتماع أن التعاون مع المؤسسات المالية الصينية يحظى بأولوية خاصة، في ضوء العلاقات الاستراتيجية التي تربط القاهرة وبكين، والتعاون الوثيق في مشروعات تنموية متعددة، أبرزها مشروعات البنية التحتية والطاقة والنقل.

مؤشرات قوية لقطاع مصرفي صلب
يُعتبر القطاع المصرفي المصري من أكثر القطاعات صلابة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث يتمتع بنسبة عالية من كفاية رأس المال، إلى جانب نظام رقابي محكم يتبع أحدث المعايير الدولية، مثل معايير "بازل 3" وتعليمات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وبحسب بيانات البنك المركزي، فقد بلغ إجمالي أصول البنوك المصرية أكثر من 12 تريليون جنيه حتى نهاية عام 2024، في حين تجاوزت نسبة الشمول المالي 67% من البالغين، وهي نسبة مرشحة للزيادة مع استمرار المبادرات القومية لتوسيع قاعدة الخدمات المصرفية.
وتعمل البنوك المصرية أيضًا على مواكبة التطورات الرقمية السريعة، حيث تم إطلاق العديد من الخدمات المصرفية الإلكترونية، وتحديث البنية التحتية للمدفوعات، فضلًا عن دعم التكنولوجيا المالية (Fintech) عبر رخص البنوك الرقمية وصناديق دعم الابتكار.

فرص وتحديات أمام دخول ICBC
دخول ICBC إلى السوق المصرية، سواء عبر افتتاح فرع أو تأسيس بنك كامل، يُعد خطوة استراتيجية تحمل في طياتها العديد من الفرص، كما تتطلب دراسة دقيقة للسوق المحلية وطبيعة التشريعات المصرية.
على صعيد الفرص، يتمتع ICBC بقدرات مالية وتقنية هائلة تمكنه من تقديم منتجات مصرفية مبتكرة تلبي احتياجات شريحة واسعة من العملاء المصريين، لا سيما الشركات التي تسعى إلى التوسع في الأسواق الصينية أو تلك التي تتعامل تجاريًا مع الصين.
كما يمكن للبنك أن يلعب دورًا مهمًا في تمويل مشروعات البنية التحتية الكبرى في مصر، بالتعاون مع الشركات الصينية العاملة في السوق المحلية، أو عبر الشراكة مع البنوك المصرية لتقديم تسهيلات مشتركة.
أما على صعيد التحديات، فثمة حاجة إلى تكييف نماذج العمل الصينية مع خصوصية السوق المصرية، بالإضافة إلى التعامل مع اللوائح التنظيمية المحلية، وبناء كوادر بشرية مدرّبة تجمع بين الخبرات الدولية والمعرفة المحلية.
تعزيز التعاون المصري – الصيني
لا يمكن النظر إلى خطوة ICBC بمعزل عن السياق الأوسع للعلاقات الاقتصادية بين مصر والصين، والتي شهدت تطورًا لافتًا خلال العقدين الماضيين، فقد أصبحت الصين أحد أكبر الشركاء التجاريين لمصر، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين قرابة 18 مليار دولار في 2023.
كما تعد الصين من كبار المستثمرين في مصر، خاصة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وفي مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة، والطاقة المتجددة، والنقل، والصناعة.
ويسهم التعاون المصرفي في تسهيل التبادل التجاري وزيادة الاستثمارات المتبادلة، من خلال توفير أدوات تمويل مرنة، وخدمات مالية متخصصة، بالعملتين المحلية (الجنيه) والصينية (اليوان).

فرصة تاريخية وشراكة استراتيجية
يمثل اهتمام ICBC بالسوق المصرية فرصة تاريخية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وبكين، ويمهّد الطريق لحقبة جديدة من التعاون المصرفي والتجاري بين الجانبين، كما يعكس ثقة متزايدة من قبل المؤسسات المالية العالمية في الاقتصاد المصري، وقدرته على استقطاب الاستثمارات النوعية من كبريات المؤسسات الدولية.
ويبقى الأمل معقودًا على أن تشهد الفترة المقبلة خطوات تنفيذية لترجمة هذا الاهتمام إلى واقع ملموس، سواء من خلال افتتاح أول فرع للبنك في القاهرة، أو إطلاق بنك صيني متكامل يعمل ضمن المنظومة المصرفية المصرية، بما يعود بالنفع على الطرفين، ويدعم جهود التنمية الشاملة في مصر.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.