أخبار عاجلة

الحرام يمحق البركة

البركة ليست مفهوماً تراثياً غامضاً يُتداول في الموروثات الشعبية، بل هي حاجة إنسانية عميقة، يشعر بها كل من عاش الوفرة دون رضا، أو امتلك المال دون طمأنينة. إنها السرّ الذي يجعل القليل كثيراً، والضيق متسعًا، والرزق غير مرتبط بالأرقام بل بالرضا والنور.

ليست البركة شيئًا ماديًا يُقاس، ولا مكيالًا يُملأ. هي حضورٌ خفي، نورٌ في الرزق، سَعةٌ في الضيق، راحة في العطاء، وطمأنينة في القليل. وحين يغيب هذا المعنى، لا ينقص المال فقط، بل تنقص الطمأنينة. وحين يُرتكب الحرام، لا يُجنى الربح، بل يُطفأ النور.

يُخطئ من يظن أن المال الحرام يُنمّي الثروة. قد يزيد الأرقام، لكنه يسرق البركة، يُقسي القلوب، ويفسد البيوت. إن البركة لا تساكن الحرام، ولا تتواطأ معه. قال الله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: 276]

فانظر كيف بدأ بالـ”محق” قبل أن يتحدث عن “الزيادة”، كأن الحرام لا يقتصر على عدم النفع، بل يتعداه إلى محق ما كان نافعًا أصلًا.

الحرام يُحدث شروخًا في روح الإنسان، قبل أن يُفسد جيبه. فهو يُربّي الجشع، ويُقزّم الضمير، ويُطفئ نور القناعة. ولذلك فإن من يأكل من حرام، لا يشبع. ومن يربّي أبناءه بمال الحرام، لا يرى فيهم السكينة. ومن يشيّد بيته من حرام، لا يأوي فيه راحة.

قال النبي ﷺ: “كل جسد نبت من سُحت، فالنار أولى به” [رواه الترمذي]

فأي فائدة في مالٍ يُنبت الجسد، ويُميت الروح؟ وأي لذة في ثراء يُضحك الشفاه، ويُبكي القلوب؟

قد يبرر الناس الحرام بأنه “ضرورة”، أو بأنه “مؤقت”، أو “ظرفي”. لكن البركة لا تعرف الأعذار، والضمير لا يقبل الالتواء. من يرضى بالحرام اليوم، يعتاد الظلمة غدًا. ومن يبيع مبدأه لحظة، يصعب عليه شراءه مجددًا وإن ندم ألف مرة.

والأخطر أن الحرام لا يبقى حرامًا في الخفاء. إنه ينسكب على الوجوه، ينعكس في السلوك، ويتسرّب إلى العلاقات. يفتت الأسرة، يزرع الشك، ويقطع الصلة بين الإنسان ونفسه، بين الإنسان وربه.

وفي مقولة تعكس الروح العامة لفكر الإمام أبي حامد الغزالي: “إن المال الحرام يُغلق أبواب الفهم، ويجعل القلب قاسيًا، والعقل مشتتًا.”

ولعلنا اليوم نرى هذه القسوة ممتدة: في خطابنا، في علاقاتنا، في تبرّمنا من الحياة، في اللهاث المحموم نحو مزيد من كل شيء… باستثناء المعنى.

ليس كل من يملك مالًا غنيّ، ولا كل من ينفق واسع. الغنى في البركة، والاتساع في الرضا، والبركة لا تُشترى ولا تُكتسب، بل تُستجلب بالطهر، وتُستبقى بالعدل.

ما أحوجنا اليوم إلى توبة لا من الكبائر فحسب، بل من الصغائر المتراكمة التي جعلناها “مباحة بالعُرف”، و”مشروعة بالحاجة”، حتى انمحت الحدود، وتلطخت الأرواح.

الحرام لا يُدخل الجوع وحده، بل يُخرج السكينة، يُميت الذوق، ويقتل الشكر.

فاحرص أن لا تأكل ما يُطفئ نورك، ولا تُطعِم من تُحب ما يمنع البركة عنه،

واجعل سؤالك الدائم:

هل في مالي نور؟ أم فيه ظلمة؟

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق اقتصادية قناة السويس تستقبل وفد الغرفة التجارية المصرية البريطانية وممثلي عدد من الشركات
التالى حضرت احتفالية.. محامي نوال الدجوي يرد على تحدي الخصوم: "الدجوي في كامل قواها العقلية