01:56 م - الأحد 1 يونيو 2025
في عالم يشهد تصاعد الأزمات الجيوسياسية وتقلبات الأسواق المالية، عاد الذهب ليتصدر مشهد الاستثمار العالمي بقوة، مؤكدًا من جديد مكانته كأصل آمن وملاذ موثوق في مواجهة التحديات الاقتصادية. الأداء اللافت للمعدن الأصفر خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025 لم يكن مجرّد استجابة ظرفية، بل إشارة واضحة لتحول هيكلي في سلوك المستثمرين واتجاهات السوق.

من يناير إلى مايو 2025، ارتفع سعر الذهب بنسبة بلغت 25%، متجاوزًا جميع الأصول التقليدية والبديلة، في أقوى موجة صعود فصلية يشهدها منذ عام 2007. وقد قفز سعر الأونصة من 2700 دولار إلى ما يقارب 3300 دولار، بعدما بلغ ذروته التاريخية عند 3500 دولار في إبريل. هذه القفزة أضافت نحو 4 تريليونات دولار إلى القيمة السوقية للذهب، مما يعكس حجم التدفقات الاستثمارية التي اندفعت نحوه في بيئة تضخمية ومع تزايد مؤشرات التباطؤ الاقتصادي العالمي.
المؤسسات المالية الكبرى بدأت في تعديل توقعاتها بشأن السعر المستقبلي للذهب، حيث رفعت بنوك مثل "جي بي مورغان" و"بنك أوف أميركا" سقف التوقعات إلى 4000 دولار للأونصة بحلول عام 2026. بينما وضعت مؤسسات أخرى مثل "إنكريمنتوم" سيناريو أكثر تفاؤلًا، مرجّحة وصول الذهب إلى 8900 دولار في غضون أربع سنوات، في ظل ما تعتبره تحولات جذرية في الطلب العالمي واهتزاز الثقة بالعملات الورقية.
تشير البيانات إلى أن الطلب الاستثماري على الذهب يشكل اليوم نحو 45% من إجمالي الطلب العالمي، بعدما تضاعف بنسبة 170% منذ بداية العام. هذا التحول يعكس رغبة متزايدة لدى الأفراد والمؤسسات في الابتعاد عن الأصول عالية المخاطر، واللجوء إلى أدوات تحافظ على القيمة وسط بيئة مشبعة بعدم اليقين.
أما البنوك المركزية، فقد وسّعت هي الأخرى من دورها في سوق الذهب، لتشكل حاليًا ما يقرب من 20% من الطلب العالمي. هذا التوسع في الاحتياطي الذهبي يأتي كرد فعل مباشر على التوترات الجيوسياسية وتراجع الثقة بالسياسات النقدية التقليدية، خاصة في ظل تراجع هيمنة الدولار الأميركي على التجارة العالمية والاحتياطيات الرسمية.
العلاقة العكسية بين الذهب والدولار الأميركي لعبت دورًا مهمًا في هذه الموجة الصعودية، حيث ساهم تراجع العملة الخضراء في تعزيز جاذبية الذهب عالميًا. كما ساهمت السياسة النقدية المتشددة، وارتفاع أسعار الفائدة، في ترسيخ مكانة الذهب كأصل دفاعي يحظى بأولوية في محافظ المستثمرين الباحثين عن الأمان.
ما يشهده الذهب من صعود متسارع لا يمكن اختزاله في ظرفية مؤقتة أو ردة فعل على أزمة عابرة، بل يُعدّ مؤشرًا على بداية مرحلة جديدة في النظام المالي العالمي، تتغير فيها موازين الثقة بين الأصول والعملات. ومع استمرار التحديات الجيوسياسية وتزايد هشاشة الاقتصاد العالمي، يبدو أن الذهب لم يعد مجرد ملاذ، بل لاعب رئيسي في تشكيل مستقبل الأسواق، ومحدد استراتيجي للسياسات الاستثمارية في السنوات القادمة.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.