في مشهد اقتصادي ينبض بالتفاؤل، يواصل الجنيه المصري صعوده المثير أمام الدولار الأمريكي، محققًا مكاسب غير مسبوقة خلال عام 2025.
وقد شهدت الأسواق المصرية تراجعًا ملحوظًا في سعر الدولار، حيث سجل متوسط 49.79 جنيه، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، ليصل إلى أدنى مستوياته منذ أواخر 2024.
وهذا التحول ليس مجرد رقم عابر في شاشات البنوك، بل هو انعكاس لجهود متوازنة وإصلاحات اقتصادية طموحة، تدعمها عوامل داخلية وخارجية، تعيد رسم ملامح الاقتصاد المصري.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نغوص في أعماق الأسباب التي تقف وراء هذا التراجع المستمر.
قبضة من حديد
وأكد الدكتور محمد البهواشي، في تصريحات خاصة لـ "بانكير"، أن "التراجع الإيجابي في سعر الدولار خلال الفترة الماضية يعكس نجاحًا ملحوظًا في إدارة الاقتصاد المصري، لكن استمرار هذا الإنجاز يتطلب جهودًا مضاعفة، خاصة في المجال الرقابي.
كما شدد على ضرورة تعزيز السيطرة على السوق الموازية من خلال تكثيف العمليات الأمنية لضبط المتعاملين بالدولار خارج الإطار الرسمي ومنع المضاربات غير القانونية التي تهدد استقرار السوق.
واقتصاديًا، ينبغي وضع استراتيجيات دقيقة لضبط عمليات الاستيراد وفقًا للأولويات الوطنية، مع التركيز على تعزيز الاعتماد على المكونات المحلية في الصناعة لتقليل الاعتماد على الواردات التي تكلف الدولة ملايين الدولارات.
كما أن تعزيز قطاع السياحة وجذب الاستثمارات الأجنبية يمثلان ركيزتين أساسيتين لزيادة موجودات العملات الأجنبية، مما يدعم استقرار الجنيه على المدى الطويل.
تدفقات النقد الأجنبي: دعم قوي مدعوم بالرقابة
ويعزو الدكتور البهواشي جزءًا كبيرًا من تراجع الدولار إلى زيادة تدفقات النقد الأجنبي، التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، فقد سجلت تحويلات المصريين بالخارج 32.6 مليار دولار خلال الفترة من مارس 2024 إلى فبراير 2025، بنمو سنوي 72.4%.
وهذا التدفق، إلى جانب صفقة رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار، عزز احتياطي النقد الأجنبي إلى حوالي 48 مليار دولار.
وأكد البهواشي أن الحفاظ على هذه التدفقات يتطلب رقابة صارمة على السوق الموازية لمنع تسرب العملات الصعبة إلى قنوات غير رسمية، مما يضمن استمرار تعزيز الاحتياطي النقدي.
انتعاش السياحة: مورد مستدام بجهود تشجيعية
وشدد البهواشي على أهمية السياحة كمصدر رئيسي للعملة الصعبة، حيث سجل القطاع نموًا بنسبة 25% في الربع الأول من 2025، مع استقبال 3.9 مليون سائح.
ويرى أن تشجيع السياحة من خلال تحسين البنية التحتية وتسويق الوجهات السياحية سيضمن تدفقًا مستدامًا للعملات الأجنبية، مما يدعم استقرار الجنيه.
كما يتوقع أن يساهم استقرار الأوضاع الإقليمية في زيادة إيرادات قناة السويس، مما يعزز من هذا الزخم.
سياسات البنك المركزي: مرونة مع الرقابة
وأكد البهواشي أن سياسة التعويم المرن التي تبناها البنك المركزي المصري في مارس 2024 كانت حاسمة في تقليل الفجوة بين السوق الرسمي والموازي، مشيرًا إلى أن الانضباط في التعامل مع المضاربين على الدولار يتطلب تكثيف الرقابة الأمنية على السوق السوداء، مع ضمان توافر النقد الأجنبي في البنوك لتلبية احتياجات المستوردين والمستثمرين، وهذه السياسات ساهمت في استقرار السوق وتعزيز الثقة في الجنيه.
ضبط الاستيراد لتقليل الضغط على الدولار
ويربط البهواشي بين تراجع الطلب المحلي على الدولار وضرورة ضبط عمليات الاستيراد، فقد انخفض الطلب نتيجة تقليص الواردات غير الضرورية.
ولفت إلى أن استمرار هذا الاتجاه يتطلب استراتيجيات واضحة لتحديد الأولويات في الاستيراد ودعم الصناعات المحلية لتقليل الاعتماد على المكونات الأجنبية، وهذا التوجه يخفف الضغط على الدولار ويعزز قيمة الجنيه.
فرص عالمية
وعلى الصعيد العالمي، يواجه الدولار تراجعًا بسبب زيادة الاستثمار في اليورو وتوقعات بتباطؤ الاقتصاد الأمريكي، ويرى البهواشي أن هذه الظروف العالمية تمثل فرصة لمصر لتعزيز استقرار عملتها، شريطة استمرار الجهود لجذب الاستثمارات الأجنبية التي تعزز الموجودات الدولارية.
ويبرز تراجع الدولار أمام الجنيه المصري كدليل على نجاح الإصلاحات الاقتصادية، لكن الدكتور البهواشي يحذر من أن الاستدامة تتطلب جهودًا متواصلة في الرقابة، ضبط الاستيراد، وتعزيز السياحة والاستثمار.
ومع استمرار هذه الجهود، تتجه مصر نحو اقتصاد أكثر استقرارًا، يعزز الثقة ويخفف الأعباء عن المواطنين.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
