في عام 2022، صدمت المحكمة الاقتصادية الوسط الصيدلي في مصر بقرار إشهار إفلاس شركة "ألفا" المالكة لسلسلة صيدليات "19011"، التي كانت حتى وقت قريب تُروَّج كأكبر كيان صيدلي موحَّد في البلاد.
لكن خلف التوسع السريع وواجهة الاحتراف، اختبأت ممارسات مشبوهة، وقروض ضخمة، ومخالفات قانونية فجّرت أزمة ما زالت تبعاتها مستمرة حتى 2025.
رؤية شعبة الصيادلة.. "19011" لم تكن نموذجًا يُحتذى
شعبة الصيدليات بالغرف التجارية لم تخفِ قلقها منذ ظهور "19011"، واعتبرت منذ البداية أن ما حدث هو تضخّم مصطنع خارج قواعد السوق.
قال الدكتور حاتم البدوي، سكرتير الشعبة: "الشركة توسعت اعتمادًا على قروض بنكية وتسهيلات غير مفهومة، وليس على نموذج اقتصادي حقيقي وانهيارها كان متوقعًا."
المديونيات التي خلفتها السلسلة تجاوزت 7 مليارات جنيه، أثرت سلبًا على شركات توزيع الدواء، وأضعفت الثقة في أي تكتل دوائي جديد
الصيادلة يطالبون: ادعموا من يلتزم بالقانون
من أبرز الأصوات التي دعت لوقفة مراجعة، الدكتور محمد الشيخ، نقيب صيادلة القاهرة، الذي شدد على ضرورة دعم الصيدليات المستقلة والمحلية التي تلتزم بالقانون.
وأضاف:"إذا كانت الدولة ستدعم قطاع الدواء، فالأَولى أن يكون هذا الدعم موجّهًا لمن يمارس المهنة بضمير واحترام للقانون، وليس لمن يستغل ثغراته."
دعوات رسمية للتحقيق: "المساءلة ضرورة"
نقابة الصيادلة، وعدد من الجهات الرقابية، تقدمت ببلاغات رسمية تطالب بالتحقيق الكامل في مصادر تمويل "19011"، والجهات التي سهلت توسعها المخالف للقانون.
وأكد المحامي هاني سامح، المهتم بملفات الدواء: "أثبتت الوثائق أن بعض الفروع كانت تُدار دون إشراف مباشر من صيادلة، وهناك شبهة تستر من بعض الجهات. نحن بحاجة لتحقيق شفاف وتقرير مفصَّل للناس."
"الدروس لا بد أن تُستوعب"
صرح الدكتور أحمد العزبي – مؤسس سلاسل "العزبي" سابقًا – في ندوة طبية مؤخرًا: "الخلل ليس في طموح التوسُّع، بل في غياب رقابة اقتصادية وصيدلية حقيقية. كان يجب وقف التجربة في مهدها."
وأشار الدكتور خالد سمير، أستاذ اقتصاديات الصحة بجامعة القاهرة، إلى أن أزمة "19011" ليست تجارية فقط، بل تهدد سلامة سوق الدواء كله، وقال:"الدواء سلعة خاصة، لا يجوز التعامل معها كمنتج تجاري صرف. من يتلاعب بها يهدد الأمن الدوائي للبلد."
وماذا لو تم دعم الشركات الصيدلية الملتزمة؟
في خضم كل هذه التداعيات، يطرح المتابعون سؤالًا جوهريًا: ماذا لو تم توجيه دعم الدولة إلى الصيدليات المحلية الملتزمة بالقانون؟
الخبراء يرون أن هذا الدعم قد يثمر عن:
استقرار سوق الدواء من خلال توزيع عادل للفروع والصلاحيات.
خفض أسعار الدواء نتيجة وجود منافسة صحية بعيدًا عن الاحتكار.
خلق فرص عمل حقيقية للصيادلة الشباب عبر دعم مشروعاتهم الفردية.
تعزيز ثقة المواطنين في القطاع الصيدلي، خاصة في المناطق النائية.
الدواء ليس سلعة فقط... بل أمن قومي
أزمة "19011" ليست مجرد قصة فشل اقتصادي، بل ناقوس خطر يجب أن يُسمع جيدًا. فحين يُترك قطاع حساس كالصيدلة دون رقابة حقيقية، ويتحوّل إلى ساحة مضاربة، فالجميع سيدفع الثمن: المواطن، الصيدلي، والدولة.
وحده دعم الكيانات الملتزمة بالقانون، وتفعيل دور الجهات الرقابية، يمكن أن يعيد لسوق الدواء المصري توازنه وكرامته.