مع اقتراب دخول فصل الصيف، إذ تصل درجات الحرارة إلى مستويات قياسية في جل المدن المغربية بفعل تداعيات التغيرات المناخية، نبّه خُبراء في المناخ والتنمية المستدامة إلى أن “الفاعل الرسمي مُطالب باعتماد سياسة تشجير مُعقلنة، قائمة على غرس الأصناف الملائمة للخصوصيات المحلية، وقادرة على تحقيق الأهداف المتوخاة من التشجير، ضمنها توفير الظل وتلطيف الجو وخفض انبعاثات أوكسيد الكربون”.
ويرى الخبراء أنفسهم أنه “رغم ترافع الفاعلين البيئيين والمدنيين، طيلة سنوات، عن إيقاف تنخيل المدن، ما يحرمها والساكنة من الفوائد المتعددة للأشجار، مازال مدبرو الشأن المحلي يعمدون إلى إطلاق صفقات لغرس النخيل، متجاهلين هذه الفوائد”.
وفي هذا الصدد يرى الفاعلون البيئيون أنفسهم أن “المغرب غدا مُطالبا أكثر من أي وقت مضى باعتماد سياسة وطنية لتشجير المدن وضواحيها، أسوة بتجارب دولية كثيرة، كتجربة أبوظبي الإماراتية، التي نجحت بواسطة التشجير في خفض درجة الحرارة”.
وظلّ فصل الصيف خلال السنوات الأخيرة يستنفر النشطاء والحركات البيئية المغربية من أجل “وقف جرائم التنخيل وضد الأشجار”، إلى حد أن حركة “مغرب البيئة 2050” كانت أطلقت الحملة الوطنية “وقفوا النخل..غرسوا الشجر”، غير أنها أقرّت حديثا بوجود “خلل كبير في تشذيب أشجار التصفيف بالمغرب”، مضيفة: “عيينا ماندويو ! عيينا من فيديوهات التوعية والتنبيه!”.
وقالت الحركة، مستعرضة في منشور على صفحتها الرسمية آخر الإشكاليات التي رصدتها في هذا الصدد: “اليوم تم تعذيب أشجار شارع بئر أنزران (الدار البيضاء) بتشذيبها بشكل قاس ونحن في بداية موسم الصيف”، متسائلة: “أشنو خليتو فيهم دبا؟؟!!..لقيتو الماكنة وجالسين تلعبو بتراثنا!”.
وفي هذا الإطار قال مصطفى العيسات، الخبير في مجال المناخ والتنمية المستدامة، إنه “بخلاف بعض المدن الكبرى المغربية التي حقق مستوى التشجير بها ارتفاعا لافتا، وتوسعت مساحاتها الخضراء، نجد أن ثمّة عدة مدن أخرى تشكو غياب أعداد كافية من الأشجار، التي من شأنها أن تساهم في خفض درجات الحرارة، خصوصا في فصل الصيف، حيث ترتفع نتيجة التغيرات المناخية القاسية التي تعيشها المنطقة برمتها”.
ولفت العيسات، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أن “ضعف التشجير بالمدن المعنية، كالقنيطرة وفاس على سبيل المثال، يحرم ساكنتها من فضاءات ومُتنفسات للاستراحة، ويرغمها على تحركات محدودة في أوقات ذروة ارتفاع الحرارة بالنهار، في فصل الصيف”.
وشددّ الخبير البيئي نفسه على أن “البلاد تحتاج، اليوم، إلى سياسة وطنية لتشجير المدن وضواحيها، من أجل كسب ثلاثة رهانات: أولها خفض انبعاثات أوكسيد الكربون الذي تساهم فيه الأشجار، وثانيها تلطيف الجو والهواء، وأخيرا تخفيض معدلات درجة الحرارة”.
وفي هذا الصدد استحضر العيسات تجربة مدينة أبوظبي في الإمارات العربية المتحدة، موردا: “هذه المدينة بعد أن تمّ تشجيرها بمليون و130 ألف شجرة ونخلة انخفضت درجة الحرارة بها إلى درجة واحدة فقط، بعد أن كانت تصل إلى 49 درجة”.
وأكدّ الخبير في مجال المناخ والتنمية المستدامة أنه “اليوم مع الارتفاع المتوقع لدرجات الحرارة إلى مستويات قياسية، في المستقبل، يتعيّن أن ينتقل المغرب نحو السرعة القصوى في تشجير المدن لأجل الحفاظ على توازنها الإيكولوجي”، بتعبيره.
من جانبه، أوضح أيوب كرير، رئيس “جمعية أوكسيجن للبيئة والصحة”، أن “مطلب اعتماد سياسة معقلنة للتشجير تمكن من الاستفادة من الفوائد القصوى للأشجار مطروح صيف كل سنة”، مردفا: “للأسف مازال مدبر الشأن المحلي في عدة مدن بالمغرب يحبذ غرس نخيل لا يلائم طبيعتها ومناخها”.
وأضاف كرير، ضمن تصريح لهسبريس، أنه “عوض غرس الأشجار التي تساهم في تلطيف الأجواء وتوفير الظلال الوارفة تعمد المجالس الجماعية حتى بمدن ذات مناخ استوائي إلى غرس النخيل الذي يبقى ملائما للمناطق الصحراوية، فقط، ما يجعلها تبذر ملايين الدراهم دون تحقيق العوائد البيئية المتوخاة من الغرس”.
ولفت الناشط البيئي ذاته، في هذا الصدد، إلى كون “منتخبين جماعيين تتفتح شهيتهم لإطلاق صفقات النخيل، مستغلين سرعة ذبوله بسبب عدم ملاءمة مناخ المناطق المغروس بها له”، مُشددا على أن “مدبري الشأن المحلي مطالبون بالعمل على غرس أشجار تراعي الخصوصيات المحلية للجماعات التي يسيرونها؛ فمن الخطأ أن تستمر الجماعات الترابية في الاستثمار بشكل خاطئ وهدر المال العام عبر التنخيل”.