التأم مجموعة من الباحثين والمهتمين بالشأن التاريخي في اللقاء المنظم على مستوى كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، بشراكة مع الجمعية المغربية للمعرفة التاريخية، لتقديم قراءات في كتاب “إمارة المؤمنين.. المرجعية الروحية لوسطية الإسلام” لمؤلفه الدكتور عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج.
وحاول الباحثون في هذا اللقاء الأكاديمي، الذي نظم صباح اليوم الخميس، الغوص في تفاصيل الكتاب والنبش في مفهوم إمارة المؤمنين التي تمت دسترتها لأول مرة سنة 1962.
واعتبر عبد الرزاق العسري، مدير مختبر الدراسات المقارنة في اللغات والآداب والثقافات والتاريخ، أن عبد الله بوصوف، مؤلف كتاب “إمارة المؤمنين.. المرجعية الروحية لوسطية الإسلام”، يصنف ضمن أدبيات “مؤرخي الحاضر”.
ووصف العسري الكتابَ سالف الذكر بكونه يحتوي على “نوع من المتعة، على اعتبار أن الكاتب والمؤرخ يندرج ضمن مؤرخي التاريخ الحاضر حيث له سرعة البديهية يتجاوب بسرعة مع كل أحداث البلد”.
وأوضح الأستاذ الباحث في التاريخ، في مداخلته، أن البواعث التي دفعت المؤلف إلى إنجاز هذا العمل تتمثل في تجربة بوصوف في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، حيث التعدد والتعايش الديني، إلى جانب تأثير خطاب الملك محمد السادس في 20 غشت 2016، وكذا الإصلاحات العميقة التي باشرها الملك خاصة بعد دستور 2011.
واعتبر مدير مختبر الدراسات المقارنة في اللغات والآداب والثقافات والتاريخ أن ما يميّز كتاب بوصوف “الطابع العلمي الصارم”، إذ لا يغرق في التوصيفات الفضفاضة؛ بل يعتمد على مصادر موثوقة وأرقام وإحصائيات، ويعتمد على التفسير بدل الوصف وينفتح على المناهج ما يكسب المُؤلّف قيمة علمية مضافة.
وسجل الباحث نفسه أن “الوتيرة المتسارعة التي دشنها الملك محمد السادس في تدبير الشأن الديني أضفت دينامية خاصة على مؤسسة إمارة المؤمنين. كما أن هذا الحضور القوي لإمارة المؤمنين لم يعد محصورا في الداخل؛ بل امتد إلى الخارج، خاصة في إفريقيا، حيث تستدعى التجربة المغربية كنموذج معتدل ومتوازن”.
وختم عبد الرزاق العسري مداخلته بالقول إن كتاب بوصوف “غني بأفكاره الجامعة، يزاوج بين الرصانة والعمق؛ وهو مرجع لكل باحث يريد أن يفهم هذه المؤسسة المركزية في النسق السياسي المغربي من الداخل”.
من جهته، عاد عبد الله بوصوف، مؤلف الكتاب، بالحاضرين، من باحثين وطلبة، إلى الهواجس التي دفعته إلى إخراج هذا المولود المعرفي، والتي عزاها إلى عيشه وتجربته في مدينة ستراسبورغ الفرنسية والتعايش الديني الذي تمتاز به هذه المدينة.
وأوضح المؤرخ بوصوف أن النسخة الأولى من الكتاب صيغت باللغة الفرنسية، قبل أن يقرر إعادة الصياغة باللغة العربية بعيدا عن منطق الترجمة، خصوصا في الشق المتعلق بالدين الذي يشوه الكتابات.
وفي هذا الصدد، قال متحدثا عن تبعات الترجمة المشوهة أن “الإسلام كان يتعرض لهجوم ولخلط كبير في المفاهيم وإحداث سوء الفهم، من خلال هذه الترجمة التي كانت تتم لبعض الكتابات”.
ولفت الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج إلى أن تجربة المدينة الفرنسية التي تمتاز بالتعايش جعلته يربط ذلك بالوضع الديني في المغرب، الذي يمتاز بدوره بالتعايش والتسامح بين مختلف المعتقدات الدينية.
وسجل بوصوف، وهو يستعرض مميزات إمارة المؤمنين كنموذج ديني مغربي خالص، بأنها تعتبر “نموذجا ديمقراطيا بامتياز ولا يمكن أن يزايد علينا أحد بالديمقراطية في هذا الباب”.
وقدم المؤرخ نفسه بعض النماذج الغربية التي اقتبست شكل وجوهر إمارة المؤمنين المغربية؛ من قبيل الملكية الإنجليزية التي استنسخت إمارة المؤمنين والنموذج المغربي، إذ أصبح الملك رئيسا للكنيسة، حسب تعبيره.
وأشار، وهو يتحدث عن وسطية الإسلام التي يتخذها المغرب منهجا بفضل إمارة المؤمنين، إلى أن المملكة تعتبر سباقة في تدبير التعددية من خلال تصريح الملك محمد السادس بكونه أميرا للمؤمنين المسلمين منهم والمسيحيين واليهود.
وشدد بوصوف على أنه إن كانت الدولة في فرنسا هي الضامنة للحريات، فإن إمارة المؤمنين هي الضامنة لحرية ممارسة الشعائر الدينية، موردا في هذا الباب بأنه “لا تخلو مدينة بالمغرب من وجود كنيسة بجوار مسجد؛ وهذا أكبر دليل على الوسطية والتعايش والتعددية”.
" frameborder="0">