تحيين جديد لـ”خريطة الفقر متعدد الأبعاد” وفق تحولات “وديناميات المشهد الترابي” ولفتح أعين الفاعل العمومي للسياسات العمومية سواء من موقع الوضع أو التدبير، خلصت ضمن أقوى خلاصاتها إلى “تراجع في مؤشرات الفقر متعدد الأبعاد، خاصة في الوسط القروي”، مع “التنبيه إلى “استمرار وجود فوارق كبيرة على المستوى الجهوي والإقليمي والجماعي”.
وحسب مخرجات دراسة المندوبية السامية للتخطيط، اعتمادا على بيانات الإحصاءيْن العامّين لسنتيْ 2014 و2024، فإن “سياسات الاستهداف المجالية كان لها أثر إيجابي” خلال العقد الممتد في الفترة المذكورة، وهي المخرجات والخلاصات التي ثمّنها أكاديميون اقتصاديون تحدثت إليهم هسبريس.
بعد “إحصاء شتنبر 2024” أعادت “المندوبية”، التي يقودها شكيب بنموسى، رسم “خريطة للفقر متعدد الأبعاد، بهدف فهم أدق لأوجه الحرمان المرتبطة بالعجز الاجتماعي في مجالات التعليم، والصحة، والسكن، والولوج إلى البنيات التحتية الأساسية”، حسب ما أوضحت المندوبية في وثيقة تركيبية.
توفر هذه الخريطة، وفق معدّيها، “قراءة مندمجة لمظاهر الهشاشة البنيوية والفوارق الاجتماعية على المستويات الجهوية والإقليمية والجماعية”، موردة أنه “في سياق الجهوية المتقدمة، فإن هذه الخريطة تشكل أداة عملية لتوجيه السياسات المعتمدة الملائمة لخصوصيات كل مجال ترابي، وذلك بغية تحسين ظروف عيش السكان”.
“تراجع ولكن ..”
تعليقا على نتائجها وقراءة في تضاريس “خريطة الفقر متعدد الأبعاد”، قال عبد الرزاق الهيري، مدير مختبر “تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية” بكلية الاقتصاد- فاس، إن “قياس الفقر متعدد الأبعاد يعتمد على مجموعة من المؤشرات، أساسها ثلاثية التعليم والصحة وظروف العيش”، منوها إلى أنها “خريطة تستند إلى نتائج إحصاء عام 2024 لقياس مدى تقدم عشري (عقد من الزمن) وتظهر تراجع الفقر في الأوساط القروية بالمملكة”.
في المقابل، نبه الهيري، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أن “ثمّة استمرارية للفوارق الكبيرة على المستوى الجهوي والإقليمي، وبين حتى الجماعات داخل الجهة نفسها مثلا”؛ ما يستوجب، بحسبه، من الفاعل العمومي ومدبري السياسات العمومية “استعجالية وحتمية إعادة توجيه السياسات العمومية المتعلقة بالتعليم والصحة وظروف العيش”.
واعتبر الهيري أن “سياسات الاستهداف المجالية أنتجت أثرا إيجابيا في تقليص الفقر غير النّقدي”، واصفا “الخريطة” بأنها تعد “أداة هامة للتدخل الفعّال للدولة في محاربة الفقر والهشاشة”، لأنها “توفّر نظرة أكثر واقعية للفقر مقارنة بالفقر النقدي والمطلق”، وفق المعروف في الأدبيات الاقتصادية.
وزاد المحلل الاقتصادي أن “تحسين ظروف العيش يتطلب سياسات عمومية فعالة مبنية على تقييمات واقعية”، محيلا على أهمية ذلك في دستور المملكة المغربية لعام 2011 الذي نص على “ضرورة تقييم السياسات العمومية وإعادة توجيهها بما يصب في صالح معيش المواطنين”.
ولفت إلى أنه “رغم انخفاض نسبة الفقر متعدد الأبعاد من 11,9 في المائة سنة 2014 إلى 6,8 في المائة سنة 2024، وبالقيم المطلقة تقلّص عدد الفقراء من حوالي 4 ملايين إلى 2,5 مليون نسمة، فإن الفقر متعدد الأبعاد ظاهرة قروية تركزت في مناطق تؤوي 72% من الفقراء إلى غاية 2024”.
وختم بأن “ذلك يسائل السياسات العمومية حول توفير الخدمات العمومية الأساسية في المناطق القروية بما يدمج جودة الصحة والتعليم وتحسين مستوى المعيشة (يتعلق بالكهرباء والماء والسكن والتطهير)”، منبها إلى أن “الخريطة المحينة تثبت أن ثمّة نقصا في تدخلات السلطات العمومية لتحسين هذه الخدمات في المناطق القروية”.
“هوامش الحواضر”
زكرياء فيرانو، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، يؤكد “ضرورة التمييز بين معايير الفقر النقدي والفقر متعدد الأبعاد”، شارحا أن الأخير “هو مؤشر معبّر أيضا عن وضعية هشاشة وفقر تختلف عن معدل الفقراء المحتسب نقديا وفق مداخيلهم اليومية أو الشهرية”.
وبعدما بسط فيرانو، في تصريح لهسبريس، أن “الفقر متعدد الأبعاد ثلاثي المحاور (الولوج إلى الخدمات الصحية، التربية والتعليم ومؤشرات الهدر، خدمات الكهرباء والماء والتطهير وظروف العيش)”، لفت إلى “التفاوت الترابي الحاصل في تطور المؤشرات بما يعكس تباينا حتى في التراجع”، ما يؤشر، وفقه، إلى “استمرار فوارق مجالية داخل المجالات الترابية نفسها رغم تدني الفقر عدديا”.
وقال معلقا: “لوحظ أنه بالنسبة للجهات مثل مراكش-آسفي وبني ملال-خنيفرة وفاس-مكناس انخفض الفقر متعدد الأبعاد بنسب أكثر على عكس الجهات الجنوبية وجهات الرباط والبيضاء، في ظرف عشر سنوات 2014-2024، وهو ما يفسّر بأنه مرتبط بسياسات مجالية وعمومية”.
ودعا فيرانو إلى زيادة التركيز على “تحسين الولوج إلى البنيات والولوج إلى الصحة”، وبرامج تقليص الهدر (معدل الهدر) لدى فئة الأطفال المتمدرسين من 6 سنوات إلى 14 سنة”، مع “ترصيد السياسات المجالية التي تقدم للمواطنين بشأن تقوية وتجويد الربط بالقنوات المائية والكهرباء وتغطية الاتصالات والرقميات”.
وأثار توصية “ضرورة توجيه مشاريع تنموية مخصّصة، لا سيما الاستثمارات والتشغيل، داخل المجالات الحضرية أساسا بعد أن تقلص الفقر في القرى”، منوها إلى مجهودات تقريب الخدمات العمومية الأساسية إلى المجال القروي؛ ما أتاح بلوغ أكثر من 92 بالمائة من المجالات المرتبطة بالماء الشروب والكهرباء”.
وختم فيرانو بالتشديد على أن “المطلوب هو العمل على معالجة إشكاليات مكرّسة بعوامل تحكمها طبيعة المجال الحضري وتغيّرات الهرم السكاني للمغاربة (…) كما يجب أن يكون تسريع ورش الجهوية المتقدمة في صدارة الأولويات للعشر سنوات القادمة، للقطع مع التفاوتات وتطوير سياسات عمومية مجالية صاعدة من ‘اللّامركز'”.