أخبار عاجلة

باحثة ترصد تأثير تحولات الأسرة المغربية على السلوك الغذائي للأطفال

باحثة ترصد تأثير تحولات الأسرة المغربية على السلوك الغذائي للأطفال
باحثة ترصد تأثير تحولات الأسرة المغربية على السلوك الغذائي للأطفال

في سياق اجتماعي يتسم بتسارع التحولات البنيوية والثقافية والاقتصادية التي تعيشها الأسرة المغربية، قدمت الباحثة في السوسيولوجيا حسنية حسيب باسمها وباسم الدكتور صلاح الدين لعريني أستاذ السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا، مداخلة علمية، ضمن فعاليات المؤتمر الدولي العاشر للعلوم الاجتماعية والصحة المنعقد مؤخرا بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، والمنظم من قبل مختبر السوسيولوجيا والسيكولوجيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز.

وجاءت المداخلة تحت عنوان: ” تحولات الأدوار في الأسر المغربية المعاصرة وتأثيرها في السلوك الغذائي للأطفال في البيت والمدرسة.”

الأسرة تحت مجهر التحول

انطلقت المداخلة من إشكالية محورية تساءلت فيها الباحثة عن مدى تأثير التحولات البنيوية والوظيفية للأسرة المغربية في السلوك الغذائي للأطفال، سواء داخل البيت أو في الوسط المدرسي. وركزت على فهم تأثير خروج المرأة إلى سوق الشغل، وتغير أنماط توزيع الأدوار بين الزوجين، والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية التي ترافق هذا التحول.

اعتمدت الدراسة مقاربة ميدانية استكشافية، استندت إلى استبيان إلكتروني وجه إلى 370 من أولياء الأمور، وتم تحليل بياناته عبر البرنامج الإحصائي SPSS، في ضوء تأطير نظري تعددي جمع بين كلاسيكيات علم الاجتماع (ماركس، دوركايم، بارسونز) ونظريات معاصرة مثل “النوبة الثانية” لهوشيلد، ونظرية “الأسرة الديمقراطية” لغيدنز، ونظرية الرأسمال الثقافي لبورديو.

من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية

كشفت النتائج الميدانية أن الأسرة المغربية تعرف تحولًا متسارعًا نحو النموذج النووي، حيث صرح أكثر من 82% من المشاركين بانتمائهم إلى أسر نووية، في مقابل تراجع واضح للأسر الممتدة.

كما أظهرت المعطيات ميلًا ملحوظًا نحو تقليص عدد الأبناء، في انسجام مع متطلبات الحياة الحضرية وتزايد تكاليف التعليم والصحة، وهو ما يعكس وعيًا اجتماعيًا جديدًا بضرورة تحسين جودة الحياة الأسرية.

تقاطع الأدوار

رغم بروز مشاركة المرأة في سوق العمل، إلا أن نتائج الدراسة أظهرت أن المهام المرتبطة بالتغذية ورعاية الأطفال لا تزال تُسند في معظمها إلى النساء، بنسبة تجاوزت 81%. ويعكس هذا الوضع استمرار نمط “العبء المزدوج” أو “النوبة الثانية”، حيث تتحمل المرأة مسؤوليات مهنية وأسرية في آن، دون تقاسم فعلي وعادل للأدوار داخل البيت.

كما كشفت الدراسة عن بداية ظهور أنماط تفاوضية بين الزوجين في بعض السياقات الحضرية، مما يدل على بداية الانتقال إلى نموذج أكثر تشاركية، لكنه لا يزال هشًا وغير معمم.

تفاوت الأنماط الغذائية وتصنيف سوسيولوجي دقيق

من أبرز التحولات التي رصدتها الدراسة، تراجع الطقوس الغذائية الجماعية داخل الأسر، مقابل صعود نمط غذائي فرداني وسريع، تغذيه الثقافة الرقمية والإعلانات الموجهة للأطفال. إذ لاحظت الدراسة ميولًا متزايدًا لدى الأطفال نحو الأغذية الجاهزة والسريعة، بتأثير واضح للوسائط الرقمية، مما ينذر بقطيعة ثقافية غذائية بين الأجيال.

واقترحت الباحثة تصنيفًا رباعيًا للأنماط الغذائية داخل الأسر المغربية، يشمل:

1. النمط التقليدي المحافظ

2. النمط الفرداني الحديث

3. النمط الاستهلاكي السريع

4. نمط الغذاء الاقتصادي المحدود

يرتبط كل نمط بخصائص سوسيولوجية محددة، من حيث بنية الأسرة، ومستواها الاقتصادي، ورأسمالها الثقافي، ويعكس هذا التصنيف تداخلاً معقدًا بين العوامل البنيوية والثقافية والرقمية المؤثرة في الممارسات الغذائية.

حضور باهت في التربية الغذائية

أظهرت المداخلة ضعفًا بنيويًا في دور المدرسة المغربية في تعزيز السلوك الغذائي الصحي، حيث لا توفر المدارس في الغالب فضاءات مناسبة أو برامج منتظمة للتربية الغذائية. وأشارت الأسر المشاركة في الدراسة إلى أن مسؤولية التغذية لا تزال تقع بشكل شبه كامل على الأسرة، مما يعمق الفوارق الطبقية بين الأطفال فيما يخص جودة الغذاء وأثره على التحصيل الدراسي والصحة العامة.

توصيات عملية

اختتمت الأستاذة حسنية حسيب مداخلتها بمجموعة من التوصيات العملية، منها:

· إدماج التربية الغذائية في المقررات الدراسية بشكل مؤطر وممنهج.

· تحسين البنية التحتية للمدارس لتوفير أماكن مناسبة لتناول الطعام.

· منع تقديم الأغذية السريعة في الوسط المدرسي.

· توسيع برامج الدعم الغذائي الموجهة للأطفال المنحدرين من أسر محدودة الدخل.

· ترسيخ ثقافة تشاركية داخل الأسر لتوزيع المسؤوليات المرتبطة بالغذاء.

التغذية مرآة المجتمع

أبرزت هذه المداخلة العلمية كيف أن السلوك الغذائي للأطفال يُشكل مرآة دقيقة للتحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي يعرفها المجتمع المغربي. وهو سلوك لا يمكن فهمه بمعزل عن الأسرة، والمدرسة، والطبقة، والجندر، والعولمة الرقمية. وعليه، فإن إصلاح السياسات الغذائية والتربوية يمر حتمًا عبر إعادة التفكير في بنية الأسرة وأدوارها، وفي وظيفة المدرسة كشريك في بناء مواطن سليم الجسد والفكر معًا.

تجدر الإشارة إلى أن المؤتمر الدولي العاشر للعلوم الاجتماعية والصحة الذي نظم تحت شعار: الأسرة نموذجا للحماية الاجتماعية والرعاية الصحية: رؤى وتجارب من بلدان الجنوب”. عرف حضور نخبة من الباحثين والأكاديميين من داخل المغرب وخارجه، وتميزت الجلسات العلمية بإلقاء محاضرتين افتتاحيتين: محاضرة البروفيسور منير السعيداني، جامعة تونس المنار: العائلة والمرض/الصحة والتغير الاجتماعي، ومحاضرة البروفيسور المختار الهراس، جامعة محمد الخامس – الرباط: الأسرة كمحدد اجتماعي للصحة، وسبع جلسات موضوعاتية، تناولت قضايا محورية حول دور الأسرة في الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية، من زوايا سوسيولوجية وسيكولوجية متعددة، مع تركيز خاص على تجارب بلدان الجنوب.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق رئيس الوزراء البريطاني يناقش مع قادة أمريكا ودول أوروبية كبرى فرض عقوبات على روسيا
التالى وزير الرياضة يشهد تتويج جنوب أفريقيا بكأس الأمم الإفريقية تحت 20 سنة