السبت 24 مايو 2025 | 05:53 مساءً

الصين وفيتنام
في وقت تزداد فيه حدة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تجد فيتنام نفسها في موقف حرج، حيث تحاول جاهدة الحفاظ على توازن حساس بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، دون أن تدفع ثمن القرب من أحدهما على حساب الآخر.
ففي مدينة "هو تشي منه"، جنوب فيتنام، تنشط مستودعات ضخمة تابعة لعمالقة التجارة الإلكترونية الصينيين مثل Shein وAlibaba، حيث يعمل مئات الموظفين على تعبئة المنتجات المختلفة من مستحضرات تجميل وملابس وأحذية تُصدر إلى الخارج، بينما تواصل الشركات الصينية توسيع عملياتها وتوظيف المزيد من العمال.
هذه الأنشطة ساهمت في خلق آلاف الوظائف وزيادة التدفق الاستثماري، لكنها – بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز – باتت تمثل عقبة رئيسية أمام جهود هانوي لعقد اتفاق تجاري جديد مع الولايات المتحدة، يُجنّبها رسومًا جمركية عقابية قد تصل إلى 46%.
"مستعمرة صينية"؟.. تصريحات نارية من إدارة ترمب
وتنظر إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب بعين الريبة إلى توسع النفوذ الاقتصادي الصيني داخل فيتنام، وتحديدًا ظاهرة "إعادة التصدير" التي تحوّل البضائع الصينية إلى فيتنام، حيث تُعاد تعبئتها أو تغيير منشأها قبل تصديرها إلى الأسواق الأميركية.
لكن إدارة ترمب ذهبت أبعد من ذلك، فمجرد الاعتماد على مواد أو استثمارات صينية داخل المصانع الفيتنامية يُعد – من وجهة نظرها – نوعًا من "الالتفاف" التجاري غير المشروع، وامتدادًا اقتصاديًا لبكين.
وفي تصريح أثار الجدل، وصف مستشار التجارة في إدارة ترمب، بيتر نافارو، فيتنام بأنها "مستعمرة صينية"، في إشارة إلى حجم التغلغل الصيني في اقتصادها، وهو ما وضع الحكومة الفيتنامية أمام تحدٍ دبلوماسي واقتصادي صعب.
أرقام تكشف عمق الأزمة
منذ بداية الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، كانت فيتنام أحد أبرز المستفيدين. فقد قفز الفائض التجاري الفيتنامي مع أميركا من 38.3 مليار دولار عام 2017 إلى 123.5 مليار دولار بحلول 2024، مدفوعًا جزئيًا بتحويل مسارات التجارة والاستثمار بعيدًا عن الصين.
وفي أبريل الماضي وحده، استوردت فيتنام سلعًا من الصين بقيمة 15 مليار دولار، بينما بلغت صادراتها إلى الولايات المتحدة 12 مليار دولار، وهو ما يعكس التداخل المعقد في سلاسل التوريد.
خطوات فيتنامية ومحاولات للتهدئة
في محاولة لطمأنة واشنطن، قامت الحكومة الفيتنامية بتشكيل فريق خاص لمكافحة الغش التجاري، مع التركيز على منع استخدام ملصقات "صُنع في فيتنام" المزوّرة، إضافة إلى اجتماعات رسمية بين وزارة المالية الفيتنامية وهيئة الجمارك الأميركية لتعزيز التعاون.
لكن حتى الآن، ترى إدارة ترمب أن الجهود غير كافية، وتشترط خطوات أكثر جرأة، بما في ذلك تشديد الرقابة على الاستثمارات الصينية، والتقليل من اعتماد المصانع على المواد الأولية الصينية.
الصين.. لا غنى عنها
رغم الضغوط الأمريكية، تواجه فيتنام واقعًا اقتصاديًا معقدًا. فالصين تُعد المورد الأول للمواد الخام والسلع الوسيطة، التي تعتمد عليها المصانع الفيتنامية في إنتاج السلع النهائية.
ويقول تران نهو تونج، نائب رئيس رابطة النسيج والملابس في فيتنام: "بدون الصين، لا يمكننا التصنيع.. وبدون أميركا، لا يمكننا التصدير."
ما يُبرز المعضلة التي تواجهها هانوي: كيف تحافظ على علاقاتها مع الطرفين دون أن تخسر أيًا منهما؟
تحركات صينية وأمريكية متسارعة
من جانبها، عرضت فيتنام زيادة وارداتها من السلع الأميركية، من بينها منتجات زراعية وطائرات "بوينج"، في مسعى لكسب رضا واشنطن.
في المقابل، تواصل الشركات الصينية نقل عملياتها إلى فيتنام بوتيرة متسارعة. ففي إقليم "لونج آن" الجنوبي، تُدير شركة Shein حملات توظيف ضخمة برواتب شهرية تتراوح بين 385 و578 دولارًا، لتشغيل العمال في تحميل وتغليف المنتجات المعدّة للتصدير.
هل يمكن فصل سلاسل التوريد عن الصين؟
في ظل اعتماد كبير على المواد الخام الصينية، فإن فصل سلاسل التوريد بالكامل عن بكين يبدو شبه مستحيل في الوقت الراهن، كما ترى الخبرة الاقتصادية بريانكا كيشور، التي تؤكد أن غالبية المنتجات المتجهة إلى الأسواق العالمية – حتى إن تم تجميعها خارج الصين – لا تزال تحتوي على مكونات صينية.
وبذلك، يواجه صانعو القرار في فيتنام تحديًا معقدًا - الحفاظ على مكانتهم كوجهة بديلة للصناعات العالمية، دون أن يقعوا تحت طائلة العقوبات الأمريكية بسبب علاقتهم الوثيقة بالصين.
اقرأ ايضا
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.