على هامش الزيارة التي قادت نائب الوزير الأول، وزير الدفاع بجمهورية سلوفاكيا، روبير كاليناك، على رأس وفد عسكري هام إلى المملكة المغربية، حيث نوقشت مسألة تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، وتحفيز الاستثمارات في مجال الصناعات الحربية، اعتبر مهتمون بالشؤون العسكرية والإستراتيجية أن هذه الزيارة تعد مؤشرا واضحا على توجه الرباط نحو الانفتاح على شركاء عسكريين جدد خارج الأطر التقليدية المعروفة، وترجمة لرؤية المملكة لتوطين التكنولوجيا الحربية وجذب الاستثمارات ذات القيمة المضافة، خاصة في ظل بيئة إقليمية تتطلب جاهزية وقدرة على التكيّف مع مختلف التحديات الأمنية المستحدثة.
وأكد المهتمون الذين تحدثوا مع جريدة هسبريس الإلكترونية في هذا الشأن أن التعاون المغربي مع بلد أوروبي بحجم سلوفاكيا، التي تمتلك تجربة متطورة في مجال التصنيع العسكري، خاصة الأسلحة الخفيفة وسلاح الدبابات والمدفعية، يشكل فرصة إستراتيجية بالنسبة للمغرب لتعزيز سيادته الصناعية والدفاعية، من خلال الاستفادة من هذه الخبرة التقنية السلوفاكية لتطوير سلاسل إمداد محلية قادرة على تلبية احتياجات القوات المسلحة الملكية.
في هذا الصدد قال عبد الرحمان مكاوي، خبير في الشؤون العسكرية، إن “زيارة وزير الدفاع السلوفاكي إلى المغرب على رأس وفد عسكري رفيع المستوى تأتي في سياق سعي الرباط إلى تنويع شراكاتها الدفاعية، والانفتاح على بلدان أوروبا الوسطى ذات الخبرة الصناعية والتكنولوجية المتقدمة”، مبرزًا أن “التعاون المغربي السلوفاكي في المجال العسكري يفتح آفاقًا واسعة لنقل تكنولوجيا التصنيع الحربي إلى المغرب وتطوير القدرات المحلية في الصناعات الدفاعية”.
وأوضح الخبير ذاته، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “التعاون بين البلدين على هذا المستوى يقوي مقاربة المملكة المغربية في تعزيز أمنها القومي وتدعيم دورها كفاعل أساسي في معادلة الأمن الإقليمي”، مسجّلًا أن “التوجّه المغربي نحو تعزيز الشراكات العسكرية مع دول أوروبا الوسطى يُسهم في تقوية مساعي الرباط لبناء قاعدة صناعية دفاعية مستقلة عن تقلبات سوق الأسلحة العالمية”.
واعتبر المتحدث ذاته أن “سلوفاكيا تُعَدّ من المصنعين الأوروبيين للعديد من الأسلحة، إذ إن حوالي 90 في المائة من صادراتها إلى الخارج تشمل الصناعات العسكرية، كالرصاص والذخيرة الخفيفة والمدافع والدبابات”، وزاد: “استفاد هذا البلد الأوروبي كثيرًا من شراكاته الإستراتيجية مع العديد من البلدان لبناء صناعة دفاعية متطورة أصبحت منتجاتها مطلوبة في الكثير من الأسواق العالمية”.
وأكد مكاوي أن “المملكة المغربية يمكنها الاستفادة من التجربة السلوفاكية من خلال إقامة شراكات مع مصانع الدفاع الحربي في هذا البلد، واقتناء براءات اختراع، إضافة إلى جذب الاستثمارات السلوفاكية في المجال الدفاعي، خاصة في ظل توفر المغرب على بنية صناعية متطورة تؤهله للدخول في شراكات مختلفة، مع توفره أيضًا على موارد بشرية مؤهلة وكفاءات تساعد على بناء شراكات عسكرية طويلة الأمد”.
من جانبه اعتبر هشام معتضد، باحث في الشؤون الإستراتيجية، أن “أحد الدوافع الرئيسية لسلوفاكيا في تعزيز تعاونها العسكري مع المغرب هو رغبتها في تنويع أسواقها الدفاعية خارج الفضاء الأوروبي، ولاسيما في ظل الضغوط الجيوسياسية المتصاعدة في أوروبا الشرقية بعد الحرب في أوكرانيا”، مضيفًا: “من هذا المنطلق يبدو المغرب خيارًا إستراتيجيًا لما يتمتع به من استقرار سياسي وموقع جغرافي يجعله بوابة إلى القارة الإفريقية، حيث تسعى شركات الدفاع السلوفاكية إلى توسيع نفوذها وترويج أنظمتها التقنية الحديثة”.
وتابع المصرّح لهسبريس بأن “سلوفاكيا رغم حجمها الصغير تتمتع بقدرات صناعية عالية الكفاءة في مجال الدفاع، لكنها محدودة في مجال التسويق العالمي مقارنة بكبار الفاعلين؛ وبالتالي فإن التعاون مع المغرب، الذي يعمل على تطوير صناعة دفاعية واعدة بدعم ملكي مباشر، يوفر منصة لإطلاق مشاريع تصنيع مشترك أو مراكز للتجميع والتوزيع نحو الأسواق الإفريقية، وهو ما يشكل رهانًا اقتصاديًا رابحًا للطرفين”.
وشدّد معتضد على أن “هذا التعاون يُترجم بشكل واضح تحولًا تدريجيًا في العقيدة الدفاعية المغربية، التي انتقلت من منطق الشراكة الكلاسيكية مع القوى العظمى إلى نهج أكثر براغماتية يقوم على انتقاء الشركاء حسب القيمة التقنية والتكامل الصناعي، وليس فقط حسب حجم الدولة أو وزنها الجيوسياسي”، مردفا: “المغرب يراهن اليوم على جودة الأنظمة، وقابلية نقل التكنولوجيا، والمرونة في بناء شراكات رابح-رابح”.
وأبرز المتحدث أن “هذا التحول يعكس وعيًا متزايدًا بأهمية الاستقلال الإستراتيجي وبناء قدرات محلية في التصنيع والدعم اللوجستي، وهو ما يتطلب شراكات مع دول متخصصة تمتلك تكنولوجيا متقدمة لكنها تبحث عن أسواق وفرص استثمارية مرنة؛ وسلوفاكيا، التي ورثت إرثًا صناعيًا من الحقبة السوفياتية وطوّرته داخل بيئة أوروبية تنافسية، تبدو شريكًا مثاليًا ضمن هذا التوجّه”.
واعتبر الباحث ذاته أن “الأنظمة الدفاعية السلوفاكية، المعروفة بدقتها الهندسية وكفاءتها العالية، يمكنها أن تساهم في تطوير مكونات حساسة في البنية التحتية العسكرية المغربية، خاصة في مجالات مثل الدفاع الجوي، الأنظمة غير المأهولة، والاتصالات التكتيكية”، موردا أن “التكامل الصناعي بين المؤسسات الدفاعية المغربية الناشئة ونظيراتها السلوفاكية يمكن أن يخلق دينامية جديدة في مجال التصنيع المحلي، ليس فقط عبر التجميع، بل من خلال تطوير وحدات إنتاج وتكوين مشترك، ما يعزز من قدرات الجيش المغربي على المدى المتوسط والطويل في مجالات الصيانة والتطوير الذاتي للأنظمة الدفاعية”.
وخلص المحلل ذاته إلى أن “التعاون مع سلوفاكيا سيفتح أمام المغرب إمكانية التحديث بأسلوب تدريجي ذكي، مبني على الاستفادة من ‘التقنيات الدقيقة’، دون الدخول في صفقات ضخمة أو مرهقة ماليًا، وهذا يتناسب مع رؤية المملكة لتعزيز قوتها الدفاعية دون المساس بتوازناتها المالية أو السياسية… إنها مقاربة تقوم على الكفاءة بدل الكم، وعلى التخصص بدل التبعية”.