منذ متى تحوّلت السجادة الحمراء إلى مسرح للقماش لا للشاشة؟
منذ متى صار مكياج الرد كاربت أهم من مكياج الشخصيات؟
صاروا يحلّلون كريم الأساس، وينسون أساس القصة، كأن الفيلم مجرد خلفية لصورة إنستغرام، وصار “أفضل مونتاج” خبرًا هامشيًا في ذيل النشرات.
منذ متى صارت السينما خادمةً لدى بيوت الأزياء؟، منذ متى غابت الكاميرا، وحضرت عدسة “الغلامور”؟.

في مهرجان كان، كانت العيون تتجه إلى الضوء القادم من الحكاية، والآن تتجه إلى الإضاءة المنبعثة من التبرّج.
كان المهرجان يومًا ملاذًا للفكرة، مأوى للمخرجين الذين كانوا ينزفون فوق الورق
ويرمون أرواحهم في لقطات، لكن اليوم، يتحدثون عن “الطلّة الخارقة”، عن “القماش النادر”، عن “الحرير الذي يشبه جلد الغزال.
لا أحد يتحدث عن السيناريو.
يجلس الناقد، لا يفتح دفتره ليسجل ملاحظاته على الفيلم، بل يفتح حسابه على “إنستغرام” ليكتب: “إطلالة صادمة من نيكول كيدمان، المصمم: ديور، اللون: عاجي،
القماش: لا نعرف، لكن ثمين”.
منذ متى صارت السينما خادمةً لدى بيوت الأزياء!
هل هذه هي السينما؟
أين ذهب فيلم “Eleanor the Great”،
الذي عُرض في الصباح، وحضرته مجموعة نقاد صامتين، بينما الكراسي الفارغة تسخر من صمت القاعة.
أين ذهب الفيلم القادم من السنغال،
“Banel & Adama”، الذي يحكي قصة حب وتوترات مجتمع صغير، والذي نافس على السعفة الذهبية.
لماذا لم يُكتب عنه سطر؟
لأنه لم يأتِ معه فستان من الحرير التركي،
ولا أقراط ألماس مرصعة بالكآبة.
هل نسينا أن “كان” كان مهرجانًا للسينما،
لا عرض أزياء في ساحة فندقية؟
هل صارت صناعة الوهم أهم من صناعة الحلم؟
وهل صار الجمهور يقيس جودة الفيلم
بحسب عدد “اللايكات” على فستان البطلة،
لا على جودة السيناريو؟

أيها المصورون، أنتم لم تأتوا لتصوّروا قصة،
بل لتصوّروا خصرها، طلّتها، أظافرها، وتتركون الفيلم وحيدًا في غرفة العروض، يعاني من صمته الطويل.
أيها الصحفي، هل سألت يومًا مخرجًا شابًا
عن كوابيسه؟ عن ورشته؟ عن فشله الأول؟
أم سألت الممثلة عن نوع الرموش التي تضعها، لتبدو “أكثر فتنة” في لقطات الكاميرا؟.
وفي زاوية أخرى، بعيدًا عن أضواء الألماس والحرير، مهرجان صغير في الإمكانيات،
لكنه كبير في فهم السينما، يعطي مساحة للنقد الحقيقي، للورش التي تصنع المخرج، ويعيد السينما إلى مكانها الصحيح، كمكان للقصص والوجوه والأفكار، لا مكانًا لعرض أزياء في فندق.
أيها العالم،
كنّا نحجّ إلى “كان” لأننا نحب السينما،
أما الآن، فنأتي لنعبد قماش “فيرساتشي”،
ونسجد لجمال خارجي لا يضيف سطرًا واحدًا للفن.
د. مارغو حداد - مدرسة صناعة الأفلام بالجامعة الأمريكية - مادبا / الأردن