أخبار عاجلة

القوة الصامتة لمغاربة إيطاليا

القوة الصامتة لمغاربة إيطاليا
القوة الصامتة لمغاربة إيطاليا

التحويلات المالية كجسر اقتصادي بين إيطاليا والمغرب

كل عام، يرسل مئات الآلاف من المغاربة المقيمين في إيطاليا الأموال إلى عائلاتهم في المغرب. هذه ليست مجرد تحويلات مالية، بل تدفقات من الثقة والروابط العاطفية وأدوات للصمود الاقتصادي. إنها تعكس العلاقة العميقة والدائمة بين الجالية المغربية وبلدها الأم. وتشكل التحويلات أحد القنوات الأكثر استقرارًا التي تساهم من خلالها الجالية المغربية، بصمت ولكن بقوة، في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب.

في عام 2024، ووفقًا للبيانات الرسمية لبنك إيطاليا، والتي قامت مؤسسة ليوني موريسا بتحليلها ونشرتها وسائل إعلام إيطالية مرموقة، بلغت تحويلات المواطنين المغاربة المقيمين في إيطاليا 575 مليون يورو، مسجلة زيادة بنسبة 2.2٪ مقارنة بعام 2023، بينما بلغ إجمالي التحويلات التي أرسلتها الأسر المهاجرة في إيطاليا إلى بلدانها الأصلية 8.3 ملايير يورو. ويؤكد هذا التدفق أن المغرب من بين أول ثلاث دول متلقية للتحويلات من إيطاليا، إلى جانب بنغلاديش وباكستان. ومع ذلك، فالأمر لا يتعلق بالأرقام فقط، بل يجب فهم من هم هؤلاء المهاجرون، وما القنوات التي يستخدمونها، ومدى ثقتهم بالنظام البنكي، وما هو التأثير الحقيقي لهذه الموارد على الاقتصاد المغرب.

في عالم دائم التحول، من المهم أكثر من أي وقت مضى أن نعطي صوتًا للواقع اليومي للجالية المغربية. يهدف هذا المقال إلى عرض وتحليل دور التحويلات المالية كرافعة استراتيجية للربط والتنمية بين إيطاليا والمغرب، معتمدًا على بيانات رسمية وأبحاث متخصصة.

الجالية المغربية في إيطاليا.. عدد كبير، تجذر، واجتهاد

تُعد الجالية المغربية في إيطاليا من أقدم وأكبر الجاليات المهاجرة وأكثرها اندماجًا في البلاد. ووفقًا لبيانات المعهد الوطني للإحصاء الإيطالي لعام 2024، يعيش في إيطاليا حوالي 423,000 مغربي بشكل قانوني، مما يجعل المغرب أول بلد إفريقي من حيث عدد المقيمين.

تتركز النسبة الأكبر من الجالية في شمال ووسط إيطاليا، بينما تشمل القطاعات المهنية الرئيسية: البناء، الزراعة، الخدمات اللوجستية، الصناعة، الخدمات المنزلية والمساعدة، التجارة والمشاريع الصغرى.

وعلى الرغم من الاستقرار في إيطاليا وبلوغ الجالية الجيل الثالث، فإن الغالبية العظمى لا تزال تحتفظ بروابط قوية مع الوطن الأم، ويتجلى ذلك بوضوح من خلال التحويلات المالية المنتظمة إلى أسرهم في المغرب.

التحويلات المالية.. تدفق مستقر وأساسي للاقتصاد المغربي

في عام 2024، تلقى المغرب 6.9٪ من إجمالي التحويلات المالية المرسلة من إيطاليا، ليحتل بذلك المرتبة الثالثة بين الدول المستفيدة. وقد ارتفعت قيمة التحويلات من 429 مليون يورو في عام 2020 إلى 575 مليون يورو في 2024، في نمو مطّرد

وتشير البيانات إلى أن المحافظات الإيطالية التي تشهد أكبر عدد من التحويلات نحو المغرب هي: روما، ميلانو، نابولي، تورينو، فلورنسا.

كيف يُرسل المغاربة في إيطاليا أموالهم؟ القنوات، البنوك، والثقة

وفقًا لنتائج الموقع الإيطالي الرسمي “mandasoldiacasa.it”، الذي تديره “CeSPI” بدعم من البنك الدولي، فإن القنوات الأكثر استخدامًا من قبل الجالية المغربية تشمل أساسًا وكالات تحويل الأموال التقليدية، تليها التطبيقات والمنصات الرقمية (fintech) التي تشهد تزايدًا.

يُفضل استخدام هذه القنوات لما تتمتع به من سرعة، وتوفّر بلغات متعددة، وانتشارها الواسع في أنحاء إيطاليا. ومع ذلك، لا تزال الأجيال الأكبر سنًا تعتمد على الوكالات التقليدية، بينما يفضّل الشباب التطبيقات الرقمية.

أما استخدام الحسابات البنكية، خاصة البنوك المغربية، فهو محدود. وتشير الدراسات إلى أن ضعف المعرفة بالخدمات، وقلة الثقة، والتكاليف، والبيروقراطية، هي أبرز العوامل المُعيقة.

هل المستقبل رقمي؟ بالتأكيد نعم، وهذا تؤكده الأرقام. فالكثير من المغاربة تحت سن الأربعين يستخدمون الحلول المالية الرقمية لما توفره من تكلفة أقل، وسهولة استخدام، وشفافية، وسرعة. وهذه التغيرات تمثل تحديًا وفرصة للبنوك المغربية لتطوير خدمات رقمية مخصصة للجالية وكسب ثقتها مجددًا.

ركيزة صامتة.. التحويلات المالية وأثرها على الاقتصاد المغربي

تشير بيانات بنك المغرب إلى أن التحويلات من الجالية المغربية في الخارج تتجاوز بشكل منتظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتغطي جزءًا كبيرًا من عجز الميزان التجاري الوطني.

أما التحويلات من إيطاليا، التي تجاوزت 575 مليون يورو في 2024، فتُعد تدفقًا مستقرًا واستراتيجيًا، لأنها منتظمة (شهرية أو كل شهرين)، مقاومة للأزمات (مثل كوفيد والتضخم الأوروبي)، وتصل مباشرة إلى العائلات دون وسطاء حكوميين.

ويتم توجيه التحويلات نحو الإنفاق اليومي، تعليم الأبناء، العلاج، بناء أو ترميم المنازل، وإنشاء مشاريع صغرى.

على الصعيد الكلي، توفر التحويلات عملة صعبة مستقرة، تعزز الاحتياطيات الوطنية، تقلل الاعتماد على المساعدات الخارجية، تحفز الاستهلاك المحلي، وتُسهم في تخفيف الفقر، خاصة في المناطق الداخلية.

كل زيادة بنسبة 1٪ في التحويلات قد تُسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4 نقطة .(وفق بعض الدراسات)

الآفاق والتوصيات

من خلال هذا التحليل، تبرز بعض التحديات والفرص، من بينها:

– تعزيز الثقة في البنوك المغربية والقنوات الرقمية؛

– دعم الخدمات المصرفية المفتوحة وتعزيز الشفافية؛

– ربط التحويلات بأدوات تنمية محلية؛

– إشراك الجالية في صياغة السياسات العمومية.

وقد أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في خطابه بتاريخ 20 غشــت 2022 بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، على الأهمية الاستراتيجية للمغاربة المقيمين بالخارج، والذي جـدد فيـه جلالته دعوة مجمـوع المؤسسات الوطنية إلى الوقـوف عند حصيلة وآفاق وسبل تأهيل التشـريعات والسياسات العمومية المخصصة لصون مصالح وحقوق مغاربة العالم، ودعـم مشـاريعهم والنهوض بمساهمتهم فـي تنمية المملكة وتعزيـز إشـعاعها. كما أعلن جلالته بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء عن إحداث تحول جديد في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج، وقد أكد جلالة الملك أن الهدف من هذا التحول هو فتح المجال أمام الكفاءات والخبرات المغربية بالخارج، وتعكس هذه الكلمات الإرادة الملكية في تقوية الروابط مع الجالية وتثمين مساهمتها في تنمية المغرب.

خاتمة: جسر اقتصادي، اجتماعي وهوياتي

تشكل الجالية المغربية في إيطاليا، بفضل عددها واستقرارها ومثابرتها، فاعلًا اقتصاديًا أساسيًا للمغرب. وفي هذا السياق من الضروري اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الاعتراف بهذا الرابط وتبني سياسات أكثر جرأة وفعالية تسهّل الإدماج المالي وتفتح آفاقًا جديدة أمام الجالية المغربية بالخارج، مع التأكيد على أهمية دمج التكنولوجيا والتحول الرقمي كعنصر أساسي موازٍ للإدماج المالي والاقتصادي، بما يسهم في تبسيط الإجراءات وتعزيز الشفافية وتحسين جودة الخدمات المقدّمة تجعل من هذه الجالية مركزًا في رؤية تنمية المغرب المستقبلية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق غرامة مالية مع إنذار بتغليظ العقوبة.. اتحاد السلة يوقع عقوبات على جماهير الأهلي
التالى رسميا.. تحديد موعد انطلاق وختام الدوري المصري للموسم الجديد