أكد الأكاديمي والدبلوماسي المغربي الحسين غزيوي، مدير إدارة الثقافة بالأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، أن “الفعل الثقافي يتأثر سلبًا بحالة الترهل الفكري والتفكك السياسي التي يعاني منها العالم العربي والإسلامي، ومن حالة الاستلاب الفكري التي تميل لتعظيم المركزية الغربية والنظريات الفكرية القادمة من العالم الأنجلوساكسوني”.
وشدّد غزيوي، ضمن مساهمة له في “موقف ثقافي” حول “الإستراتيجيات الثقافية في العالم العربي: الواقع والطموح”، ناقشه البرنامج الثقافي بمركز الخليج للأبحاث في عددٍ ثانٍ، على أن “هذا الواقع انعكس بشكل كبير على جهود إعادة إحياء التراث الثقافي العربي والإسلامي”، مبرزًا أن “المطلوب حاليًا هو العمل على توحيد جهود المنظمات الثقافية الرسمية، من قبيل الألكسو والإيسيسكو وغيرهما”.
كما لفت الكاتب في الورقة التي اطلعت عليها هسبريس إلى ضرورة “البحث عن الموارد المادية لتنفيذ البرامج الثقافية وعقد شراكات مع الفاعلين الخواص في مجال الثقافة، من أفراد مبدعين ومؤسسات ثقافية رائدة في المجتمع المدني، ورواد أعمال في مجالات الصناعة الثقافية”، من أجل “إطلاق حراك ثقافي” يحتفي بـ”تراثنا العريق وهويتنا المتنوعة الجامعة وتاريخنا الفكري”.
وأضاف مدير الشؤون الثقافية بمنظمة التعاون الإسلامي: “لن يكون الأمر ممكنا بدون وجود قيادات واعية بدورها الحضاري ورغبة سياسية حقيقية لتحقيق نهضة ثقافية عربية إسلامية، تشكل إطارًا جديدًا للوحدة والتفاهم والتقارب والعمل المشترك الذي يؤمن بوحدة المصير وبإمكانية خلق فرص مبتكرة للعمل المشترك من تحت رماد عوامل التفرقة والبلقنة التي تغذيها الأفكار المتطرفة المعزولة، والأجندات الخاصة التي يحركها المتربصون بالوطن العربي والإسلامي وثرواته ومقدراته”.
وأقرّ المسؤول الإقليمي بأن “نجاح الإستراتيجيات الثقافية العربية يحتاج إلى تعاون حقيقي بين الحكومات والمؤسسات الثقافية والمثقفين لتحقيق أهدافها، كما يجب أن تكون المرونة والانفتاح على كل الفاعلين في ميدان الثقافة دون إقصاء أساسًا للعمل، وركيزة لتحقيق الحد الأدنى من الوحدة والتكامل على مستوى السياسات الثقافية المبنية على الأصالة الإسلامية والخصوصيات الوطنية والتراث الثقافي المشترك، والتنوع الفكري الجاد وغير المستلب”.
وأبرز نائب رئيس البعثة الدبلوماسية لكوريا الجنوبية سابقا أن “ضعف انعكاس الإستراتيجيات والخطط الثقافية بشكل فاعل على المشهد الثقافي العربي يعزى بالأساس إلى غياب رؤية ثقافية مندمجة تحتفي بالتراث الثقافي العربي والإسلامي، بعيدًا عن خدمة الأجندات الخاصة وتأثير الثقافة الغربية المهيمنة”، مرجعا ذلك إلى “عدم تخصيص الميزانيات المناسبة لتنفيذ البرامج المشتركة”.
ووضع الباحث الأصبع على نقطة يعتبرها هامّة، وهي “تحول بعض نقاط القوة كالتنوع الثقافي والديني إلى نقمة عندما يساء استخدامه، ويصبح عامل انقسام وتشتت بدل أن يكون قاسمًا مشتركًا وعنصرًا فعالا في تحقيق الوحدة وبناء جسور الثقة وتحقيق التقارب والتفاهم بين الشعوب والحكومات”، مضيفا: “إذا كانت اللغة والتراث المشترك عاملي وحدة رئيسيين فإن الاستقطاب المذهبي والنعرات الإثنية واللغوية، والمبالغة بسوء نية في التركيز على الحقوق الثقافية للأقليات من طرف بعض المفكرين المتعصبين والراديكاليين، تجعل الإستراتيجيات الثقافية الموضوعة محل تشكيك وتحاول إجهاض أهدافها”.
كما أشار الكاتب إلى “حالة الاستقطاب التي تغذيها بعض القنوات الإخبارية العابرة للحدود، وتزيد من مستويات انعدام الثقة، وتُستخدم أحيانًا كأدوات شحن للعواطف وإذكاء الصراعات السياسية وتجييش الرأي العام العربي خدمة لأجندات سياسية معينة”، مسجلا أن “ضعف مردودية الإستراتيجيات الثقافية العربية يرتبط كذلك بمركزية اتخاذ القرار بخصوص الفعاليات الثقافية، وبالبيروقراطية الصارمة”.
وبالنسبة للباحث والدبلوماسي فإن هذه المركزية/البروقراطية “تحد من استقلالية المؤسسات الثقافية ومن حرية الإبداع والمبادرات المبتكرة التي يكون مصدرها المهتمون بالشأن الثقافي، أو الفاعلون في المجتمع المدني؛ كما أن ضعف أدوات التمويل وتعقيد الإجراءات الإدارية يعيق تنفيذ المشاريع الثقافية”، وزاد: “لعل حالة عدم الاستقرار في العديد من الدول العربية، خاصة بعد أحداث الربيع العربي وما تلاها من تدمير للبنى الثقافية وسيطرة الهاجس الأمني، أخرجت الثقافة من سلم الأولويات، رغم إمكانياتها الأكيدة كوسيلة لتحقيق المصالحة وجمع الفرقاء حول أمور تشكل وعيهم الجمعي وتجعل الحوار ممكنا بينهم وتأثيرها في الرأي العام”.
وألح غزيوي على “أولوية تغيير الفكر السائد بأن الثقافة تعتبر ترفًا رائدًا أو عبارة عن فلكلور شكلي لا قيمة اقتصادية له”، موردا أن “الصناعة الثقافية أصبحت أداة أساسية لتحقيق التنمية الشاملة والنهضة الحضارية المرجوة باعتبار المردودية الكبيرة للاستثمارات الثقافية بكل أشكالها، وبالنظر إلى دور العمل الثقافي في تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للأفراد والمجتمعات”.
ومن بين الأمور التي “أضعفت” دور الإستراتيجيات الثقافية، وفق غزيوي، “انتشار ثقافة التفاهة والنماذج الثقافية التجارية الجاهزة على حساب البرامج الفكرية العميقة والهادفة، إذ تحول المنتج الثقافي إلى سلعة خاضعة لمنطق السوق ولحسابات الربح والخسارة، بدلا من اعتباره وسيلة للتأثير المجتمعي والسياسي الفعال وأداة لتنوير المجتمع وتمكينه من وسائل التنمية الثقافية والفكرية والرفاهية الاقتصادية”.
كما أشار الباحث في هذا الصدد إلى “الفجوة الكبيرة بين اهتمامات الشباب العربي وارتباطه اليومي بمنصات التواصل الاجتماعي، وبين الأساليب التقليدية للإستراتيجيات الثقافية التي لم تستطع مواكبة التحول الرقمي في التواصل مع جيل الشباب، ونشر محتوى ثقافي عصري وجذاب يستطيع إيصال الرسائل الثقافية والفكر التنويري بطرق مبتكرة”.
وواصل الكاتب مبينا أنه “نظرا لغياب مؤشرات دقيقة لقياس مدى تأثير البرامج الثقافية على الشباب، ولمعرفة رغبات الجمهور المستهدف بالخطط الثقافية، فإن بناء إستراتيجيات فعالة وناجحة يبقى أمرًا بعيد المنال”.