أخبار عاجلة

الصين تتحرك بحذر في شرق البحر الأبيض المتوسط

الصين تتحرك بحذر في شرق البحر الأبيض المتوسط
الصين تتحرك بحذر في شرق البحر الأبيض المتوسط

تشكّل منطقة شرق المتوسط ساحة جيوسياسية معقدة تتقاطع فيها مصالح قوى إقليمية ودولية، وعلى رأسها الصين التي أصبحت لاعبًا اقتصاديًا محوريًا في هذه الرقعة الحساسة من العالم. ورغم أن الحضور الصيني لا يزال يغلب عليه الطابع الاقتصادي، إلا أن وتيرة التمدد الصيني تشير إلى ما هو أبعد من مجرد تبادل تجاري أو استثمار في البنية التحتية، وفقًا لمجلة "ذا دبلومات" المتخصصة في الشؤون الجيوسياسية.

تتمثل أبرز صور الحضور الصيني في مصر، حيث تستثمر الشركات الصينية في موانئ حيوية عند طرفي قناة السويس، إلى جانب منطقة صناعية كبرى تعاني من ممارسات تجارية غير عادلة، ما أثار شكاوى أوروبية بسبب الإغراق الصناعي ومعايير العمل البيئية المتدنية. وعلى الرغم من هذه الانتقادات، لم تتباطأ الاستثمارات الصينية، بل تسارعت لتتجاوز 7 مليارات دولار، متوزعة بين العاصمة الإدارية الجديدة، ومشروعات للطاقة المتجددة، ومصنع لتصدير الأمونيا إلى أوروبا، وحتى دخول في صناعة السيارات الكهربائية من خلال شركة BAIC الصينية.

ولا تقل طموحات الصين وضوحًا في تركيا، حيث بلغت استثماراتها 9 مليارات دولار، منتشرة بين الموانئ والطرق والسكك الحديدية، مرورًا بالتجارة الإلكترونية وصولًا إلى مشاريع الطاقة. وتسعى الشركات الصينية للاستفادة من الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي لتوسيع صادراتها إلى السوق الأوروبية، ما يجعل أنقرة بوابة استراتيجية لمبادرة الحزام والطريق.

أما في إسرائيل، فقد شهدت العلاقات التجارية والتكنولوجية ازدهارًا في العقود الثلاثة الماضية، خصوصًا مع مشاركة شركة صينية مملوكة للدولة في إدارة ميناء حيفا. إلا أن موقف الصين المحايد في أعقاب هجوم حماس في أكتوبر 2023 أثار غضبًا واسعًا في الأوساط الإسرائيلية، وألقى بظلال من الشك على مستقبل التعاون الأمني والتكنولوجي بين البلدين. ويُنظر الغرب وأمريكا الآن إلى المعدات الصينية مثل الكاميرات والطائرات المسيرة والسيارات الكهربائية بعين الريبة، خشية استخدامها في أنشطة ضارة.

وفي المقابل، تُعتبر مصر من أكثر الدول ترحيبًا بالتقارب مع الصين، رغم الدعم العسكري السنوي الذي تتلقاه من الولايات المتحدة. وتجلّى ذلك في المناورات الجوية المشتركة الأخيرة تحت اسم "نسور الحضارة 2025"، والتي أتاحت للقوات الجوية المصرية تجربة المقاتلات الصينية J-10C، إلى جانب تبنيها لمنظومة الدفاع الجوي الصينية HQ-9B. هذا التوجه يعكس رغبة مصر في تنويع مصادر تسليحها والانفتاح على بدائل خارج الحلف الغربي.

غير أن التوسع الصيني ليس موحدًا في كل المنطقة. ففي لبنان، يظل الحضور الصيني محدودًا بسبب المخاوف من الانجرار إلى أزمات مالية أو سياسية معقدة. وفي قبرص، يتركز الاستثمار في قطاع العقارات والضيافة دون وجود سياسي أو أمني فاعل. أما في اليونان، فرغم سيطرة شركة COSCO الصينية على إدارة ميناء بيرايوس، إلا أن أثينا باتت أكثر حذرًا في علاقاتها مع بكين تحت ضغط واشنطن.

في سياق أوسع، تحرص الصين على تطوير طرق بديلة للتجارة بعد أن تضررت خطوطها عبر روسيا وكازاخستان بفعل الحرب الأوكرانية، كما تأثرت الملاحة في البحر الأحمر بسبب الأزمات الأمنية. وضمن هذا التوجه، تعيد بكين إحياء ممر "الوسط"، الذي يمر عبر آسيا الوسطى إلى تركيا، إضافة إلى بناء ميناء أعماق في "أنكليا" بجورجيا، بما يوحي بأنها لا تضع كامل ثقتها في تركيا كممر وحيد.

وعلى الرغم من الطموحات الاقتصادية، تظل الصين حذرة سياسيًا. فهي تتفادى التورط المباشر في النزاعات، كما يظهر في موقفها الحذر من مشروع "ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا" IMEC، الذي ترى فيه منافسة محتملة لقناة السويس، بينما تتجنب الانحياز الصريح لصالح أي طرف. والأمر نفسه ينسحب على الملف الليبي، حيث تحتفظ الصين بعلاقات مع طرفي النزاع دون الانخراط الفعلي في الأزمة.

أما في الشأن الفلسطيني، فقد طرحت بكين عدة مبادرات للسلام، لكنها غالبًا ما تفتقر إلى الجدوى التنفيذية، وتُفهم في سياق خطاب موجّه لكسب تأييد دول الجنوب العالمي أكثر من كونها تحركات فعلية لحل النزاع.

وأضافت المجلة أنه يمكن القول إن الصين تلعب دور "المستهلك الأمني" لا "المزوّد الأمني" في شرق المتوسط. فهي تحتاج إلى الاستقرار لتأمين مصالحها التجارية ضمن مبادرة الحزام والطريق، لكنها ليست مستعدة للانخراط في الأزمات المعقدة، وتفضّل ترك مهمة حفظ الأمن للقوى الأخرى. غير أن هذا النهج "اللاسياسي" قد لا يصمد طويلًا في منطقة شديدة التقلب، حيث تؤثر الاضطرابات مباشرة على المصالح الاقتصادية، وهو ما قد يضطر الصين مستقبلًا إلى إعادة النظر في معادلة “الربح بدون التزام”.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق سام مرسي يقترب من الزمالك ومستقبل السعيد داخل القلعة البيضاء غامض
التالى مؤشرات الأسهم الأوروبية تغلق على تراجع جماعي