حول دوافع الإبداع وما يستطيعُه ومآلاته، مرورا عبر المنعرجات والتمايزات والتحوّلات، استقبلت أكاديمية المملكة المغربية ندوة نظّمها كرسيها الخاص بالآداب والفنون الإفريقية، اليوم الأربعاء، جمعت فنانين ودارسين ومفكرين من مختلف أنحاء القارة الإفريقية، بالرباط.
وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية قال أوجين إيبودي، منسق كرسي الآداب والفنون الإفريقية بأكاديمية المملكة، إن مقصد الندوة هو مناقشة هل للفنون والإبداع الفني أثر على المجتمع؛ وهو موضوع نقاربه عامة ضمن الدبلوماسية الثقافية، ويمتد إلى العلاقات الدولية، لأن أثر الفنان يمتد إلى مجتمعه والجمهور بشكل عام؛ فالموسيقيُّ مثلا لا يتوقف عند حدود بلد، وصداه أبعد من عالمه الشخصي، ومن بين ما نسائله في هذا الموعد هل من محدودية للفنان؟ وهل يعترف بها؟
وفي المحاضرة الافتتاحية للندوة، تحدثت هالة الفقي، كاتبة تونسية وأستاذة للآداب، عن روايتها التي اهتمت بملكة من مدغشقر نفاها الاستعمار للجزائر، ومرت عبر تونس، وتناولت كتابة الأدب المستلهمة من التاريخ بين ما وقع، وتخيّلِ الكاتبة الذي يبغي إتمام ما لا يُعرف عن ملكة فقدت مملكتها، بعد ثورتها على “العدو الفرنسي الذي احتل بلدها”، فشيّدت “قلعة من حب الأدب، والسفر، والسياسة”.
وعبر هذه الملكة المنسية، يتجاور الحدث التاريخي، مع الخيال، ومساءلة كيفية عيش “الحريم” في تلك الحقبة من الاستعمار على سبيل المثال. كما تقدّم “الجغرافيا السياسية” للمنطقة، في تمرين أعارت فيه الكاتبة “صوتا” للملكة الغابرة، أو أعارت فيه “الملكة التي فقدت المملكة” صوتا للكاتبة.
ودافعت المتدخلة عن “الحق في الخيال”، كما تشبّثت بـ”الدقة ما استطعت” من أجل سرد التاريخ في بُعدِ الحكايات الفردية، في “وثيقة” معادة التشكيل، يلتقي فيها عالمان، وحقبتان، وثقافتان، من القارة الإفريقية نفسها.
من جهته، تحدث الفنان التشكيلي بوشتى الحياني عن الرسم والتشكيل الذي ليس عملا عقليا فقط؛ بل عمل ممتد بين الوعي والإحساس، إلى درجة أن لا يدرك الفنان معاني بعض ما يحضر في أعماله، مثل أرقام “867”؛ الحاضرة دائما التي صارت بمثابة توقيع، “لكن ربما وجدتها يوما في فاتورة كهرباء! لا أدري”.
ونفى الحياني أن يكون الإنسان الذي يرسمه عاريا؛ بل هو إنسان، يغيب ما يميّزه مثل العين، والشعر، والعضو التناسلي، وهو ما يعود إلى “فترة حرب الخليج الأولى، وبعد أيام العمل، أجد في التلفاز تفجيرات في كل مكان، وأكفان من يقطعون البحر للهجرة، فتساءلت عن إرادة حياة الإنسان المستمرة ولو فقد يده أو رجله… لكن هذا الإنسان يسمح لنفسه بقتل الآخرين”.
في الرسم، ذكر الفنان التشكيلي أنه “لا يوجد ما نريد قوله فقط، بل ما لا نريد قوله أيضا”، وأردف: “عندما أغلق عيني، أستمر في رؤية صور، أرسمُني في آخر المطاف، ما بداخلي (…) أنا”.
وحول لقاءات الحياة، تحدث بوشتى الحياني عن أول الرسم، في مطلع السلك الابتدائي لما ظنّ أن الأستاذ يطلب محاكاة رسم “الشرطي” لا حرفه، فرسم، وكان جواب الأستاذ استهزاء “قريتي بكري!”؛ لكن الاستمرار في هذا الاكتشاف قاده في قسم لاحق إلى إشادة المدير، بعد تتويج رسم له من طرف جهة مسؤولة عن التعليم، وأحسّ معه بمسؤولية الفن، مخرجا إياه من الهواية التي لا يُبالى بها.
وفي مرحلة لاحقة من بداية الشباب، تحدث عنها بتأثر، ذكر أن بعد الدار البيضاء وضعف ذات اليد التي حالت دون انتقاله للدراسة بمعهدها للفنون، وهو تلميذ يدرس العلوم التجريبية، وبسبب محاكاته الجيدة والسريعة لرسومات مادة “علوم الحياة والأرض” حدّثته أستاذته، الراحلة اليوم، عن الدراسة الممكنة في مجال الفن؛ فلما أدركت أن الحائل مادي فقط، تكلفت بإرسال قدر مالي له كل شهر، وهو ما تم ثلاث سنوات حتى أتم الدراسة الفنية، التي “لولاها لما كنتُ”.
" frameborder="0">