أشاد مسؤول رفيع المستوى في “منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية” (OCDE) بجهودِ سعي حثيث ومتواصل من السلطات المالية للمملكة إلى ملاءمة “الممارسات الجيدة” لحكامة المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب مع المعايير الدولية المعتمدة في مجال الحكامة التي تُقرّها المنظمة ذاتها، التي تضم في عضويتها بلدانا متقدمة.
وفي عرض قدّمه، الثلاثاء بالرباط، أمام المدير العام للوكالة الوطنية للتدبير الإستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية (ANGSPE) ومديري مقاولات عمومية مغربية، استعرض نيكولا بينو، نائب مدير الشؤون المالية وشؤون المقاولات بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، بعض التوصيات المهمة بشأن حكامة المؤسسات العمومية ومسالك تطويرها الممكنة على ضوء المراجَعة التي أنجزها خبراء المنظمة في “المبادئ التوجيهية” أواخر 2024.
وقال بينو إن “المبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توصي، أولا، بـ”وجوب تحديد دور المساهمين من القطاع العام بوضوح، مع تحديد أهداف الدولة بصفتها مساهِما، وتوقعات استراتيجية، فضلا عن تنسيق حقيقي ومركزية إدارة الشركات والمؤسسات العمومية”.
أما التوصية الثانية في وثيقة “المبادئ التوجيهية”، التي طالعتها جريدة هسبريس، فهي أيضا تتمثل في “الحوكمة/الحكامة الرشيدة للشركات والمقاولات العمومية”، مضيفا بالشرح: “هذا يتعلق في الوقت نفسه باحترافية إدارة الشركات العمومية ومجالس الإدارة والتسيير، التي يجب أن تكون محترفة ونشطة ونزيهة”.
أما الجانب الثالث الذي تروّج له المبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فهو “ضمان إدارة المقاولات والمؤسسات العمومية بطريقة تتيح لها المشاركة، على وجه الخصوص، في التحول المناخي المستدام؛ ولكن بشكل أعم، في تحقيق أهداف الاستدامة”، وفق ما أفاد به نائب مدير الشؤون المالية وشؤون المقاولات بالمنظمة الدولية ذاتها.
وبالتالي، خلُص نيكولا بينو إلى أنه “من الواضح أن الجوانب المناخية، أو ما يُعرف بشكل أعم بالجوانب البيئية والاجتماعية والحكامة الرشيدة (ESG)، ستكون موضع اهتمام. ويمكن أن يشمل ذلك، على سبيل المثال، أهدافا تتعلق بالتنوع”.
كما شدد على أنه “من هذا المنظور، وبالنظر إلى هذه الجوانب الثلاثة، فإن المغرب، من خلال الإصلاحات التي يضطلع بها والتجارب التي راكمها، يندرج في إطار حركية ودينامية إيجابية للغاية يودّ خبراء منظمة التنمية الاقتصادية تشجيعها ودعمها في السنوات المقبلة”، حسب تعبيره.
ووفق وثيقة “المبادئ التوجيهية لحكامة مؤسسات القطاع العام”، فإن الأخيرة تلعب “دورا مهما في معظم الاقتصادات، وتوفر غالبا السلع والخدمات العمومية. وهي موجودة في قطاعات استراتيجية؛ مثل الطاقة والصناعات الاستخراجية والبنية التحتية والتمويل”، مشددة على أنه “من المهم أن تدار الشركات المملوكة للدولة بمسؤولية ونزاهة من خلال الحكامة الرشيدة للشركات، حيث تساهم بشكل إيجابي في القدرة التنافسية والمرونة الاقتصادية والتنمية المستدامة”.
وتوفر المبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن حكامة المقاولات المملوكة للدولة إرشادات لمساعدة الحكومات على إدارة مسؤولياتها بشكل أفضل بصفتها “دولة مساهمة”.
“أهداف التوجيهات”
تهدف هذه التوجيهات، حسب الوثيقة الرسمية التي قُدّمت خلال لقاء رفيع المستوى شاركت فيه وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح ومسؤولون مغاربة، إلى “تعزيز احترافية الدولة في ممارسة دورها كمساهِم” (السياسة المساهماتية للدولة).
كما تستحضر “الحرص على أن تمارِس المؤسسات العمومية أنشطتها في ظروف تتسم بالكفاءة والشفافية والمساءلة، على نحو مماثل لما هو معمول به لدى المقاولات الخاصة التي تعتمد أفضل ممارسات الحكامة”.
وأوردت وثيقة “OCDE”، الواقعة في نحو 100 صفحة، أهمية “ضمان تكافؤ الفرص والعدالة في القواعد المنظمة للمنافسة بين المؤسسات العمومية ونظيراتها من القطاع الخاص”، كهدفٍ ثالث.
أما الغاية الرابعة، فتتمثل، حسب المنظمة الاقتصادي،ة في “الإسهام في استدامة المؤسسات العمومية، وتعزيز قدرتها على الصمود، وتحقيق خلق القيمة على المدى الطويل”.
جدير بالإشارة والتذكير أن المغرب، من خلال الوكالة الوطنية للتدبير الإستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، يعتزم العمل بـ”ميثاق الحكامة” كشف عنه مدير عام الوكالة عبد اللطيف زغنون، شارحا أنه “إطار مرجعي أطلقته ANGSPE بهدف تعزيز التميز في مجال حكامة المؤسسات والمقاولات العمومية”.
خلاصات اللقاء
حسب ما تابعته هسبريس، مكّن هذا اللقاء من “تقييم التقدم المحرز في إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب، الذي يتم تنفيذه تطبيقا للتوجيهات الملكية؛ لا سيما بعد نشر المرسوم رقم 2-24-429 الصادر في 24 أبريل 2025، المتعلق بالمصادقة على “ميثاق الممارسات الجيدة لحكامة المؤسسات والمقاولات العمومية”.
ويهدف هذا النص، الذي نشر بالجريدة الرسمية عدد 7399 بتاريخ 28 أبريل 2025، الصادر تنفيذا للمادة 38 من القانون الإطار رقم 50-21، إلى “تعزيز الشفافية والمساءلة والنجاعة من خلال مجموعة من التوصيات والخطوط التوجيهية المهيكلة للعلاقات بين الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية”، مع استناده إلى المبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
وركزت نقاشات الندوة ذاتها، بشكل خاص، على “هيكلة وسير ومسؤولية الهيئات التداولية”، مستحضرة دراسات عديدة التقدم المحرز والجوانب التي يتعين مواصلة العمل عليها، من أجل تعزيز المساءلة وتدبير المخاطر والتوافق مع أهداف السياسة العمومية.
كما شكلت الاستدامة، وهو توجه قويّ تسهر عليه منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، موضوع معالجة معمقة في إطار “مائدة مستديرة” خصصت لهذا الغرض، واستحضرت بقوة “انتظارات الدولة المساهِمة على هذا المستوى، سواء فيما يتعلق بدور أجهزة الحكامة أو الشفافية غير المالية، والجانب الأخلاقي للمشاريع واحترام الأطراف المعنية”.