في عالم يزداد جفافه يوماً بعد يوم، حيث أصبح الماءُ كنزاً نادراً وصراعاً مفتوحاً مع الطبيعة، يخط المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، قصة أملٍ في زمن الظمأ.
ويواصل الملك محمد السادس إيلاء عناية خاصة لتدبير الموارد المائية؛ فقد استفسر في الاجتماع الوزاري الأخير عن الوضعية المائية للبلاد في إطار الحرص الملكي على تتبع مختلف مراحل تنفيذ سياسة الماء.
المغرب على غرار العديد من البلدان يواجه اليوم ندرة مقلقة في موارده المائية تتفاقم بفترات الجفاف المتكررة والممتدة بحدة غير مسبوقة. لكن أمام هذا التهديد الوجودي، تتحرك المملكة، بإشراف مباشر وحازم من قبل الملك محمد السادس، بجرأة، مستبقة للأزمات ومنخرطة في حماية مستدامة لمواردها المائية.
منذ اعتلائه العرش، جعل الملك محمد السادس من السيادة المائية خيارًا استراتيجيًا، لا يخضع لتقلبات السماء، بل يستند إلى تخطيط علمي طويل الأمد، تترجمه مشاريع عملاقة لبناء سدود مهيكلة، ونقل المياه، وتحلية البحر، وتثمين كل قطرة. والنتيجة؟ أرقام تُبهِر: أكثر من 42 سداً جديداً بطاقة تخزينية تفوق 6.7 مليارات متر مكعب، مع هدف طموح ببلوغ 27.3 مليار متر مكعب بحلول 2027، ما يضع المغرب في مصاف الدول الرائدة إفريقيا في مجال السياسة المائية.
لكن الأمر يتجاوز الأرقام. فكل سد يُبنى هو وعد بالحياة، وكل مشروع تحلية هو نافذة على الأمل، وكل محطة لإعادة استعمال المياه العادمة هي عنوان لتحول في الثقافة البيئية. إنها مقاربة ملكية متكاملة، ترى في الماء ليس فقط مورداً طبيعياً، بل رافعة للعدالة الترابية والتماسك الاجتماعي والسيادة الوطنية.
ولعل الأهم أن هذه السياسة لا تقتصر على تدبير الأزمة، بل تبني صموداً مائياً وطنياً. فقد تم رفع ميزانية البرنامج الوطني للماء من 115 إلى 150 مليار درهم، بتعليمات ملكية سامية، ما يعكس التزاماً ملكياً لا يُهادن حين يتعلق الأمر بحق المواطنين في الماء.
في زمن الشحّ، لا يُقاس الغنى بالمخزون، بل بالقدرة على التدبير. والمغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس، لا يُراكم فقط المنشآت، بل يؤسس لثقافة مائية جديدة، تتناغم فيها الهندسة مع العدالة، والتخطيط مع التضامن، والبيئة مع الاقتصاد.
وفي ظل مؤشرات مناخية مقلقة تلوح في الأفق، اختار المغرب وفق تعليمات ملكية سديدة تحدي الجفاف بالعلم، حيث تُعتبر محطة الدار البيضاء لتحلية مياه البحر أكبر محطة من نوعها في إفريقيا، بقدرة تحلية تصل إلى 560 مليون متر مكعب في أفق 2027، إضافة إلى قدرة على معالجة المياه العادمة بنحو 50 مليون متر مكعب، بالإضافة إلى محطات تحلية أخرى في كل من أكادير، العيون والداخلة.
إنجاز ملكي آخر يتمثل في الطرق السيارة للماء، وهو مشروع ضخم لنقل المياه بين أحواض سبو، أبي رقراق وأم الربيع على مسافة 67 كلم، يمكن من نقل سنوي من 350 مليون متر مكعب إلى 470 مليون متر مكعب، مما يجسد بالملموس الرؤية الملكية للتضامن الترابي القوي والحيوي.
هذه ليست مجرد سياسة عمومية حبيسة البرامج الانتخابية؛ إنها رؤية ملكية تمتد أبعد من الحاضر، وتخاطب أجيال الغد بلغة الاستدامة والسيادة.