قدّمت زيارة ترامب الدبلوماسية الأخيرة إلى الخليج المُغطاة بطموح اقتصادي، مشهدًا من التفاعل الإقليمي. لكن عندما تعلق الأمر بغزة، كان الصمت مُطبقًا، لا تصريحات، لا دبلوماسية مكوكية، ولا “صفقة القرن الثانية”، ورغم إلحاح الكارثة الإنسانية والمطالبة الدولية بوقف إطلاق النار، تجاهل الرئيس الأمريكي السابق القطاع تمامًا إلى حد كبير، لم يكن هذا الإغفال مُدروسًا فحسب، بل كان مُوضحًا، كانت زيارة ترامب لمحة عن نظام إقليمي جديد، نظام تكون فيه غزة على الخريطة.. لكنها خارج الأجندة.
صرحت إيرينا تسوكرمان السياسية الأمريكية، إن ما لم يقوله ترامب أو يفعله بشأن غزة يُخبرنا بأكثر مما يُمكن أن يُخبرنا به أي بيان صحفي.
وقالت: أولاً: مأزق غزة: لا عائد، لا مُناورة لفهم سبب عدم إدراج غزة في برنامج ترامب، عليتنا أن نرتب الأوراق التي يراها ترامب على جدول أعماله والتي تكون أكثر أولولياته .
وتابعت: ترامب مُعقدٌ في إبرام الصفقات، مُهووسٌ بالصور والنتائج، أما غزة فلا تُقدم أيًا منهما، إنه صراعٌ بلا لحظة مصافحة، ولا أعلام تُرفرف أمام السفارات الجديدة، ولا مراسم توقيع بمليارات الدولارات، الصراع عالقٌ في دوامةٍ من وقف إطلاق النار والتصعيد، مع قيادةٍ مُتشددةٍ مُتأصلةٍ في حماس، وسلطةٍ فلسطينيةٍ مُنهكةٍ ومُهمّشةٍ في رام الله، وحكومةٍ إسرائيليةٍ مُصممةٍ على الحفاظ على موقفِ ردعٍ طويل الأمد بدلاً من العودة إلى مسرحيات عملية السلام، إنه مأزقٌ ثلاثيُّ الرؤوس، ليس لدى ترامب أيُّ حافزٍ أو نفوذٍ
لحلِّه.
واشنطن لا تُريد أن تكون جليسة أطفال المنطقة
وأوضحت إيرينا تسوكرمان خلال تصريحات خاصة لـ “مصر تايمز”، إن فريق ترامب المُشبع بغرائز انعزالية وبراغماتية استراتيجية، ليس مُصممًا لإخماد الحرائق في أماكن لا تُبشر بالخير.
وقالت أنهم يُفضلون المسارح التي يُمكن فيها ترجمة القوة الأمريكية إلى نتائج ملموسة، ويفضل أن يكون ذلك في الوقت المناسب لإعلان الحملة، و تُعتبر غزة، باختلالها الوظيفي المُستمر وتحالفاتها المُبهمة، حقل ألغام للسمعة.
وتابعت لذا، لم يكتفِ الرئيس اترامب بتجنب المشكلة، بل أعلن دون أن ينطق بكلمة أن غزة أصبحت الآن مصدر إزعاج للآخرين.
ثانيًا: الانعزالية، والتشتيت، وتقلص الحضور الأمريكي لم يكن غياب الانخراط في غزة سهوًا، بل كان نتاج تحول استراتيجي أوسع نطاقًا ترسخت جذوره في جميع الأطياف السياسية الأمريكية، ولكنه ازداد قوةً في عهد ترامب.
وأضافت لم تعد واشنطن تُريد أن تكون جليسة أطفال المنطقة، تعمل الولايات المتحدة بنشاط على تقليص حضورها المُباشر في الشرق الأوسط، مُتجهةً نحو مُنافسة القوى العظمى مع الصين، ومُعيدةً التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، في عهد ترامب، اتخذ هذا الانكماش طابعًا تعاقديًا: ستبيع أمريكا الأسلحة، وتبني القواعد، وتبارك التحالفات، لكنها لن تتدخل في تفاصيل الحروب المحلية، لا سيما تلك التي تشمل جهات فاعلة غير حكومية لا ترغب في الوساطة الأمريكية.
وأكدت أنه في وقت زيارة ترامب، كان نطاق التغطية العالمي قد وصل إلى حده الأقصى، كانت طرق الشحن في البحر الأحمر تتعرض لهجمات الحوثيين المدعومين من إيران، وكان لبنان في حالة انهيار بطيء، وكانت المملكة العربية السعودية تعيد ضبط تركيزها الاستراتيجي نحو الدفاع عالي التقنية وتنويع رؤية 2030.
في هذا السياق، كان يُنظر إلى غزة على أنها عصية على الحل، وغير قابلة للإصلاح، وفوضوية للغاية بحيث لا يمكن المساس بها دون المخاطرة بعواقب وخيمة.
و أشارت تسوكرمان أن زيارة ترامب للخليج ركزت على التعاون الاستراتيجي مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما دولتان تُبديان حذرًا بالغًا من أنشطة كل من إيران وقطر. لكن الرئيس السابق تجنب عمدًا اتخاذ موقف علني حازم بشأن علاقات قطر بغزة، لماذا؟ لأن الدوحة تستضيف أيضًا قاعدة العديد الجوية.
زيارة الصفقات لا الدبلوماسية
و أكدت السياسية الأمريكية أن جولة ترامب للخليج تندرج تحت بند زيارة الصفقات، لا الدبلوماسية كانت زيارة ترامب للخليج درسًا في فنّ التكتيكات والتوافق الاقتصادي، لكنها لم تكن حدثًا ذا شأن عندما يتعلق الأمر بحل النزاعات.
وقالت تسوكرمان: "لم يكن استبعاد غزة سهوًا؛ بل كان أوضح مؤشر حتى الآن على أن أصحاب النفوذ في المنطقة ، والرئيس الأمريكي السابق ، لا يرون أي قيمة في إعادة فتح صندوق باندورا، لكن لهذا الصمت عواقبه، فبينما تتفاقم أزمة غزة الإنسانية، ويختار الفاعلون الإقليميون الربح على صنع السلام، فإن غياب أي مشاركة، حتى الرمزية، من شخصيات مؤثرة مثل ترامب، يبعث برسالة مخيفة: لم تعد غزة أولوية لا للخليج ولا لإسرائيل. ولا لأولئك الذين زعموا يومًا إعادة تشكيل الشرق الأوسط. في النهاية.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.