تخوض مصر سباقا اقتصاديا من أجل تحقيق قفزة نوعية في ملف التصدير، واضعة نصب أعينها الوصول إلى عتبة 100 مليار دولار سنويا من الصادرات، وهذا الهدف الطموح لا يمكن بلوغه دون إحداث نقلة شاملة في البنية التحتية التجارية والاقتصادية، وفي القلب منها يقع ملف المناطق اللوجستية، الذي بات أحد أعمدة دعم التجارة وتحفيز التصدير.
وفي هذا التقرير من بانكير، سوف نستعرض بالتفاصيل أهمية المناطق اللوجستية في مصر، وكيف أصبحت المحرك الأساسي لدعم التجارة وتعزيز الصادرات المصرية، والدور الذي تلعبه في تحقيق نمو الاقتصاد المصري.
أهمية المناطق اللوجستية في دعم التجارة

تشكل المناطق اللوجستية عنصرا جوهريا في تطوير البيئة التجارية، حيث تؤدي دورا بالغ الأهمية في تسريع حركة البضائع داخليا وخارجيا، وتقليص الفاقد الزمني والمالي، وتعزيز سلاسة سلاسل الإمداد والإنتاج.
وتعرف هذه المناطق بأنها منصات متكاملة تقدم خدمات التخزين، التعبئة، التغليف، الشحن، التوزيع، والتحويل، مما يسمح بتقليل المدد الزمنية بين الإنتاج والتصدير، ويسهل وصول السلع المصرية إلى الأسواق العالمية بسرعة وجودة وتكلفة أقل.
وكلما زادت كفاءة هذه المناطق، زادت قدرة الشركات على تصدير منتجاتها بكفاءة، خاصة في ظل تقليص زمن الإجراءات الجمركية وتحسين الربط بين الموانئ والمناطق الصناعية، وهو ما ينعكس مباشرة على تعزيز تنافسية المنتج المصري في الأسواق الدولية.
خطط توسيع المناطق اللوجستية
منذ عام 2014، شرعت الدولة المصرية في تنفيذ خريطة طموحة لتوسيع رقعة المناطق اللوجستية في مواقع استراتيجية داخل المحافظات المختلفة، بهدف ربط الصناعات بالأسواق العالمية من خلال بنية تحتية حديثة.
وبعد أن كانت هذه المناطق تتمركز حول موانئ محورية كالإسكندرية والسويس، امتدت الخطة لتشمل محافظات عديدة، وأسفرت هذه الجهود عن تدشين 14 منطقة لوجستية وتجارية جديدة في 10 محافظات خلال عام 2023 فقط.
وشملت هذه التوسعات مناطق حيوية في كفر الشيخ، والفيوم، والدقهلية، وقنا، والمنصورة، فضلا عن دعم البنية التحتية اللوجستية في السويس والأقصر، ما أوجد فرص عمل جديدة وجذب استثمارات مباشرة في قطاعات صناعية وتجارية ذات مردود تصديري.
الموانئ.. نقطة الانطلاق نحو التجارة العالمية

تشهد الموانئ المصرية تحولا نوعيا في قدرتها على دعم التجارة الخارجية، حيث تم إطلاق مشاريع ضخمة لتطوير موانئ البحر الأحمر والمتوسط، على رأسها ميناء الإسكندرية، العين السخنة، ودمياط، بهدف تعزيز قدرتها الاستيعابية وتحديث عمليات الشحن والتفريغ.
التطورات شملت تخصيص أرصفة إضافية لاستيعاب السفن العملاقة، وتطبيق تقنيات حديثة لتقليص زمن دورة الشحن، مما أسهم في تسريع الإجراءات وتقليل زمن الانتظار، وهو عنصر بالغ الأهمية في كسب ثقة المصدرين الأجانب والمستوردين على حد سواء.
شبكة الطرق.. ممرات لوجستية لحركة البضائع
ولم تقتصر جهود الدولة على تطوير الموانئ، بل امتدت لتشمل شبكة الطرق والممرات اللوجستية، التي تُعد شريان الحياة بين المصانع والموانئ.
وتم تنفيذ مشاريع استراتيجية لتحسين الممرات في شمال وجنوب البلاد، مثل ممر طنطا–المنصورة–دمياط، وممر جرجوب–السلوم، إلى جانب ممر القاهرة–أسوان–أبو سمبل.
هذه الممرات وفرت وقتا وجهدا في حركة البضائع، وساهمت في تقليص تكاليف النقل، مما منح المنتجات المصرية فرصة أفضل للمنافسة في الأسواق العالمية.
مصر تقفزت 10 مراكز في مؤشر الأداء اللوجستي العالمي
أسفرت هذه الجهود عن انعكاسات إيجابية على مؤشرات الأداء الدولي، حيث قفزت مصر 10 مراكز في مؤشر الأداء اللوجستي العالمي الصادر عن البنك الدولي لعام 2023، لتحل في المرتبة 57 بعد أن كانت في المركز 67 عام 2018.
هذا التحسن يشير بوضوح إلى تحسن المناخ اللوجستي في البلاد، ويبعث برسائل طمأنة إلى المستثمرين والشركات الأجنبية الراغبة في اتخاذ مصر مركزا لعملياتها في المنطقة.
ولكن بالرغم من هذه النجاحات، تبقى أمام مصر تحديات واقعية تهدد بفرملة الاندفاعة نحو مضاعفة الصادرات، منها الاختناقات في الموانئ نتيجة الزيادة الكبيرة في حركة الشحن، وضعف الطاقة الاستيعابية لبعض المرافق.
بالإضافة أيضا إلى نقص السفن والحاويات المطلوب توفرها لمواكبة حجم التجارة، والإجراءات الجمركية المعقدة التي لا تزال تستغرق وقتا طويلا في بعض الحالات، فضلا عن ضعف الاستثمار في الأنظمة الرقمية الخاصة بإدارة الشحن والتفريغ، وهو ما يحد من كفاءة العمليات اللوجستية.
مصر تسابق الزمن لتصبح مركز لوجستي عالمي

رغم تلك التحديات التي تواجه تطور اللوجستيات في مصر ، إلا أن مصر أمامها مجموعة من الفرص القادرة على تقليص الفجوة بين الواقع والطموح، وذلك من خلال العمل المستمر على تطوير موانئ ذكية تعتمد على أحدث الحلول التكنولوجية لتقليل الزمن والتكلفة.
بالإضافة إلى دعم التجارة الإلكترونية بما يتيح للشركات المصرية دخول الأسواق العالمية بأساليب جديدة وسريعة، وتبني اللوجستيات الخضراء بما يتماشى مع التوجه العالمي نحو استدامة البيئة، علاوة على تعزيز الربط مع دول إفريقيا عبر ممرات نقل جديدة تفتح أسواقا ناشئة أمام المنتجات المصرية.
المناطق اللوجستية في مصر وحلم الـ الـ100 مليار دولار
إن المناطق اللوجستية في مصر ليست مجرد منشآت خدمية، بل هي مفاتيح اقتصادية استراتيجية قادرة على تغيير قواعد اللعبة في ملف التصدير.
وكلما واصلت الدولة دعمها لهذا القطاع المحوري من خلال تحديث البنية التحتية وتوسيع الشبكات الذكية وتحفيز الشراكات، اقتربت أكثر من حلم الـ100 مليار دولار صادرات، بالإضافة إلى ترسخ خطواتها على طريق النمو المستدام والتنمية الشاملة.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.