أخبار عاجلة
محمد آيت علو يصدر "مُعصِرات" -

"السياسيون الجدد" على خطى "ألسبياد"

"السياسيون الجدد" على خطى "ألسبياد"
"السياسيون الجدد" على خطى "ألسبياد"

في البحث عن توصيف للفاعل السياسي الحزبي في المغرب الراهن، ربما لن نجد تعبيرًا أدلَّ وأدقَّ من عبارة “السياسي الألسبيادي” (نسبة إلى ألسبياد Alcibiade). وألسبياد هو عنوان محاورة من المحاورات المشهورة التي تُنسب للفيلسوف اليوناني أفلاطون، والتي رأى فيها ميشيل فوكو بداية انبثاق فكرة الذاتية في الفكر الغربي. فيها نقرأ حوارًا لسقراط مع ألسبياد الشاب الذي سيصبح رجل الدولة الأثيني المثير للجدل. من خلال هذا الحوار، يهدف أفلاطون إلى مساءلة أسس ومبادئ الممارسة السياسية في علاقتها بالحكمة ومعرفة الذات.

ولأسباب خاصة، غرامية كما يذهب البعض، نجد أن ألسبياد شخصية من الشخصيات المفضلة في أهم محاورات أفلاطون مثل *بروتاغوراس* و*الجمهورية* و*فيدون*.

– تيتَّم ألسبياد مبكرًا. تَكفَّل برعايته برقلس وسقراط؛ لكن لم تنفع معه لا تربية بركلس ولا دروس أستاذه سقراط. لقد تنكَّر لتعاليمهما وتوجيهاتهما، كما تنكَّر السياسيون الجدد المغاربة (كما في كل البلاد التي تقع خارج المنظومة العلمية – الإنتاجية) لجيل الرواد من السياسيين قبل الاستقلال وبعده، الذين عملوا على إرساء الممارسة السياسية على المسؤولية الأخلاقية والمصلحة العامة؛ لكن السياسيين الجدد تنكَّروا لتلك القيم، لأن الماضي التاريخي بالنسبة إليهم لا يمثل مصدرَ عِبرة ودروس، أو بعبارة شيشرون *Magistra Vitae*. ومن ثَمَّ، فتيتَّمت معهم الممارسة السياسية.

– كان ألسبياد، الذي يمثل نموذجًا للسياسة القائمة على الطموح الشخصي لا على المبادئ الأخلاقية، جميلًا، مليحَ الوجه ومُغريًا؛ لكنه كان، في المقابل، مغرورًا وأنانيًّا، ووقحًا عديم الأخلاق، ومُتعطِّشًا للشهرة والجاه أكثر من أي شيء آخر. فما أشبه السياسيين الجدد بألسبياد؛ أعضاء قياديون في الهيئات “المنتخبة” العليا منها والوسطى والدنيا، أبناء الأعيان وذوي الجاه، “يعيشون بالسياسة بدل أن يعيشوا من أجلها” بعبارة ماكس فيبر.

– لمَّا علم سقراط برغبة ألسبياد في دخول عالم السياسة، نصحه بالعدول عن ذلك؛ لأنه ليس مؤهَّلًا، تربويًّا ولا فكريًّا، لهذه المهمة الجليلة، أي مهمة التدبير العادل للدولة، وهذا هو ما يشكِّل ماهية السياسة. لكن ألسبياد الماكرَ ذا الطموح الجامح سيصبح السياسيَّ والعسكريَّ المتحكِّم في مصير أثينا لعقود من الزمن. وبسبب مغامراته المجنونة، ورَّط دولة أثينا في حروب كانت عواقبها وخيمة لم يسلم منها هو شخصيًّا.

– كان سقراط مُصرًّا على أن ينبِّه ألسبياد بأن يعرف نفسه؛ لأن المعرفة بالذات هي الشرط الأول للممارسة السياسية؛ إنه لخطر كبير أن تجرؤ على تحمُّل المسؤولية السياسية وأنت لا تعرف نفسك. ولم يَكُفَّ عن تذكيره بأنه إذا وُضعت شؤون الدولة بين أيدي مَن لا يعرف وهو يزعم أنه يعرف، فإن الدولة معرَّضة لخطر الحرب والفوضى وإعادة إنتاج أسباب التخلف.

– على السياسي، حسب وصية سقراط لألسبياد، أن يعرف نفسه بأن يعرف مؤهلاته الذاتية، ويكون مُتشبِّعًا بقيم الخير الأسمى والاعتدال والحرية. لأن المهارات الخطابية، إن وُجدت، أو النفوذ الاجتماعي لا تفيد في هذا الشأن. إن مَن لا يعرف نفسه لا يمكن أن يكون إلا سياسيًّا فاشلًا، مُعرَّضًا للسخرية من طرف الخصوم الخارجيين (الفرس والإسبارطيين)؛ هؤلاء الذين تفوقوا على ألسبياد لأنهم كانوا سياسيين عارفين، نُبهاء وحُكماء.

وعودًا على بدء، فإن الناظر إلى حال الممارسة السياسية والسياسيين الجدد في بلادنا، لا بد له أن يتذكر ألسبياد الذي، فضلًا عمَّا سبق، يمثِّل نموذجًا للسياسي الانتهازي، ومثالًا لخطر الفصل بين السياسة والأخلاق، وتفضيل الخير (الخيرات) على الحق.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الكشف عن موقف الأندية السعودية من ضم “داروين نونيز”
التالى طقس أول مايو 2025.. أجواء دافئة نهارًا وبرودة ليلًا وأمطار محتملة على السواحل