في ليلةٍ لا تُشبه إلا مصر حين تتجمل بالفن، تجمع العاشقون من كل فج عربي، زُوار الطرب الأصيل، تلاميذ الشجن، عشاق الصوت الذي يشبه ضوء النيل، جاءوا من مختلف أرجاء الوطن العربي، ليشهدوا على مسرح النافورة في دار الأوبرا المصرية، لحظة لا تتكرر، اسمها أنغام.
صوت مصر ليست فقط مطربة، بل وطن يُغني، ومرآة تنعكس فيها عظمة مصر وثقافتها وشموخها، صوتها هو فخر هذا البلد، ولسانه في الفرح والحزن، في الحنين والانتماء، في الشوق والجمال.
وقفت أنغام على المسرح كما تقفُ الملكات، بثقة العارفات بأن الفن ليس أداءً فقط، بل روح تُسكب في القلوب، بوقفتها الأنيقة وصوتها المهيب، سكنت القلوب قبل أن تغني، وما إن نطقت أول نغمة، حتى عم الصمت، وارتفعت الأرواح، وذاب الوقت في تفاصيل صوتها.
اختياراتها الغنائية في هذه الليلة لم تكن مجرد قائمة أغانٍ، بل رحلة حب ووجع وعشق، مزجت بين الكلاسيكيات التي حفظناها عن ظهر قلب، وبين الأغنيات الحديثة التي صار الجميع يرددها، غنت صوت مصر كما لا يُغني سواها، غنت من قلبها، فارتجف المسرح، وذابت المسافات بين الكلمة والدمعة، بين النغمة والنبض، اختارت أغنياتها بعناية عاشقة، وكانت كل أغنية امتدادًا لحكاية نعرفها ولا نمل منها، كانت أصدق ما يمكن للفن أن يكون.
وكانت خلف ذلك المشهد المضيء حكاية موسيقية لا تقل سحرًا، الأوركسترا العظيمة بقيادة المايسترو الكبير هاني فرحات لم تكن خلف أنغام، بل كانت معها، نَفَسًا بنَفَس، ونغمة بنغمة، في تفاهم وتناغم يُدرس، كل آلة عزفت وكأنها تعرف متى تنحني لصوت أنغام، ومتى ترفعه كما يُرفع العلم في لحظة نصر.
هاني فرحات لم يكن يقود فرقة، بل كان يرسم حالة وجدانية بالغة الرهافة، تجعل الجمهور يشعر بأن الصوت والصمت، الإيقاع والسكينة، كلها مفردات في قصيدة واحدة، بطلتها أنغام، وجوهرها هذا الانسجام الساحر بين المغنية وعراب الموسيقى خلفها.
أداء أنغام كان درسًا في الإحساس، كانت تغني وكأنها تعيش كل كلمة، تُترجم كل نغمة بملامح وجهها، بعيونها، بيديها، وكأن الجملة الموسيقية وُلدت لتُقال بصوتها فقط.
بدت صوت مصر في دار الأوبرا كما لو أنها تعود إلى بيتها، المسرح يعرفها، والإضاءة تتآلف معها، والمايكروفون يحن لصوتها، كأن كل شيء من حولها يأخذ هيئة الطمأنينة حين تكون، أناقتها لم تكن فقط في فستانها، بل في كل شيء، في وقفتها، في حركتها، في نظرتها، في صبرها على النغمة حتى تنضج كما يجب.
أما الجمهور فذلك الحب الذي لا يصفه كلام، هتفوا باسمها، بكوا معها، وصفقوا واقفين مرات ومرات، وكأن كل فرد منهم يحمل لها قصة خاصة، وذكرى لا تنسى.
لكن الأعظم كان ذلك الهتاف الذي صار نشيد جمهورها الأبدي، يسبق صعودها، ويلازمها كل حفلة، كأنه قسم حب لا يُنقض:
"بص شوف أنغام بتعمل إيه"، هذا الهتاف ليس مجرد كلمات، بل حكاية عشق مكتوبة بحروف من انبهار، دليل على أن ما تصنعه أنغام على المسرح لا يُوصف، لا يُشرح، فقط يُعاش.
أما إطلالتها، فكما العادة أنيقة كما لو أنها تمشي على نوتة موسيقية، كل تفصيلة فيها تهمس بالرقي، كل ظهور لها درس في الحضور، هي أنيقة في صمتها قبل حديثها، راقية في مشيتها قبل غنائها، كل ظهور لها على المسرح هو لوحة فنية لا تتكرر، ومع ذلك هي لا تسعى لخطف الأنظار، لكنها تأسرها دون مقاومة.
ومع أنغام، الاندهاش لا نهاية له، في كل مرة نقول إنها بلغت ما بعد القمة، فإذا بها تعلو أكثر، وتخترع من الشجن بُعدًا جديدًا لم نعرفه من قبل، معها، لا سقف للتوقعات، ولا حدود للحالة التي تعيشها القلوب وهي تحلق في فضاء صوتها.
دار الأوبرا كانت بيتها، والمسرح مملكتها، والجمهور هو جيشها الوفي، وهي دائمًا الملكة المتوجة على عرش الفن، تبهر دون ضجيج، وتملأ المكان دون أن تزاحم أحدًا.
الجدير بالذكر أن حفل أنغام في دار الأوبرا يأتي ضمن حفلات "ليالي مصر"، وهي رؤية متكاملة وضعتها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بهدف ترسيخ مكانة مصر الرائدة في مجالي الفن والثقافة، وتوسيع نطاق الترفيه ليصل إلى كل المحافظات، مع تسليط الضوء على عدد من المدن كوجهات جاذبة للسياحة الداخلية من خلال تنظيم فعاليات فنية متنوعة فيها.
وعلى مدار السنوات الماضية، أطلقت "المتحدة" العديد من المبادرات والمشروعات الداعمة لصناعة الترفيه، في إطار سعيها المستمر للحفاظ على الهوية الثقافية المصرية وتعزيز حضورها الإبداعي. وقد تولت شركة "تذكرتي" مسؤولية طرح تذاكر الحفلات وتحديد مواعيدها عبر منصتها الإلكترونية، لتسهيل الوصول للجمهور في مختلف أنحاء الجمهورية.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.