بعد عودة التساقطات المطرية إلى عدد من مناطق المملكة خلال الأسبوع الجاري، وتسجيل حالة من عدم الاستقرار الجوي نتيجة تمركز منخفض في الطبقات العليا من الغلاف الجوي فوق عرض المحيط الأطلسي، عاد النقاش ليتجدد بين المهتمين بالشأن المناخي والمائي، إذ يشير العديد منهم إلى أن أمطار شهر ماي تحمل بين قطراتها منافع فلاحية محتملة، لكنها لا تخلو أيضًا من بعض الأضرار.
منافع تتجاوز الأضرار
في ظل الأزمة المائية المسجلة خلال السنوات الأخيرة أكد محمد بازة، خبير دولي في الموارد المائية، أن “المغرب يعيش وضعًا حرجًا على مستوى التزود بالماء، خاصة في الشمال الغربي، حيث بلغ الجفاف مستويات غير مسبوقة، وبالتالي فإن أي تساقطات مطرية، مهما كانت كميتها أو توقيتها، تظل ذات أهمية بالغة، إذ تفوق منافعها بكثير الأضرار المحتملة”.
وأشار بازة، في تصريح لهسبريس، إلى أن “أمطار شهري أبريل وماي تختلف في تأثيرها حسب نوعها”، موضحا أن “الأمطار العاصفية والرعدية، التي تنزل بغزارة وفي فترات زمنية قصيرة، غالبًا ما تُخلّف أضرارًا في الأشجار المثمرة، خصوصًا الزيتون الذي يكون في مرحلة الإزهار، ما يؤدي إلى تساقط الأزهار والأوراق ويُضعف مردودية الموسم”.
وفي المقابل يرى الخبير الدولي في الموارد المائية أن “الأمطار الخفيفة المنتظمة تُعد أكثر نفعًا وأقل ضررًا، خاصة بالنسبة للمزروعات الربيعية مثل الحمص والفاصولياء، بالإضافة إلى دعمها نمو المراعي وتغذية الماشية، في وقت تأخر الموسم الفلاحي هذا العام بسبب قلة التساقطات في الأشهر السابقة”.
وعن الأضرار المحتلمة أورد محمد بازة أن “الحبوب التي بلغت مرحلة النضج قد تكون أكثر عرضة للتلف، إذ تؤدي الأمطار القوية إلى ‘رُقود’ السنابل، ما يصعب عملية الحصاد بواسطة الآلات”، مردفا بأن “مناطق مثل زاكورة شهدت أضرارًا كبيرة في وقت سابق بخصوص محاصيل البطيخ الأحمر، وهذا ما ينطبق على مختلف المزروعات إذا كانت الأمطار مصحوبة بالبرد”.
ورغم هذا شدد الخبير ذاته على أن “هذه التساقطات رغم قلتها تظل إيجابية في نظر الفلاحين، إذ تزيد من توفير الكلأ للماشية في هذا الوقت من السنة”، لافتا إلى أن “الأمطار الأخيرة قد لا يكون لها تأثير يُذكر على مستوى الموارد المائية، سواء السطحية منها أو الجوفية، لأنها كانت محدودة في الكمية، ومتفرقة من حيث الزمان والمكان، ولم تتغلغل بشكل كافٍ في عمق التربة”.
وختم بازة تصريحه بالتنبيه إلى أن “مثل هذه التساقطات المطرية تبقى ضرورية في ظل شح الأمطار، لكن الرهان الحقيقي يظل في تأمين حلول إستراتيجية طويلة المدى لمواجهة التغيرات المناخية والضغط المتزايد على الموارد المائية بالمملكة”.
بين المنافع والأضرار
عبد الحق الهاشمي، أستاذ في الجغرافيا، قال إن “التساقطات المطرية في شهر ماي ترتبط في الغالب بالعواصف الرعدية، التي تتميز بالقوة والتركز في الزمان والمكان، لذلك تشكل خطرا كبيرا على المحصول الفلاحي، خاصة الحبوب التي تكون في مرحلة الحصاد”.
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “التساقطات المطرية في شهر ماي قد تؤثر أيضا على عدد من المزروعات والمغروسات، خاصة عندما تكون مصحوبة بالبرد أو ما يُعرف بـ’تبروري'”، لافتا في الوقت ذاته إلى أن “هذه التساقطات لا تخلو من إيجابيات، أهمها المساهمة في وفرة الموارد المائية وتغذية السدود والآبار…”.
من جانبه قال أبو بكر صابري، أستاذ في الجغرافيا، إن “شهر ماي يُعتبر محطة مناخية انتقالية، تبرز فيها ملامح التوتر بين المناخ المتوسطي شمال المغرب والمناخ الصحراوي في جنوبه، وهو ما يجعل تأثير التساقطات المطرية خلال هذا الشهر متباينًا بين الإيجاب والسلب”.
وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن الموقع الجغرافي للمغرب يجعله مفتوحًا على التيارات الصحراوية، خصوصًا في الجهات الجنوبية والجنوبية الشرقية، حيث تختلف آثار التساقطات باختلاف التوقيت والكميات المسجلة، مردفا بأن “جاهزية القطاع الفلاحي، من حيث البنية التحتية والتجهيزات الوقائية، تحدد بشكل كبير وقع هذه التساقطات”.
منافع تساقطات ماي
أشار الأستاذ الجامعي أبو بكر صابري إلى أن “من بين المنافع التي يمكن رصدها بشكل مباشر مساهمة هذه الأمطار في تدارك بعض الزراعات الربيعية، مثل الذرة وعباد الشمس والبقوليات، حيث تعزز من نموها وتدعم مردوديتها، خاصة إذا تزامنت مع المراحل الحرجة من الدورة الزراعية”.
وتابع صابري: “تساعد هذه التساقطات أيضًا في تحسين وضعية المراعي الطبيعية، خصوصًا في المناطق الرعوية الممتدة بالجنوب والجنوب الشرقي والشمال الشرقي، وكذا النُجود العليا، ما يُوفر الكلأ ويُحسّن من جودة الأعشاب التي تعتمد عليها قطعان الماشية”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “من بين المنافع الأساسية كذلك دعم الفرشات المائية، عبر تغذية المياه الجوفية ورفع منسوب السدود، خصوصًا في الحالات التي تتسم بضعف التساقطات الشتوية، وهو ما يُتيح تعبئة مائية إضافية تُستثمر خلال أشهر الصيف”.
وختم الأستاذ الجامعي تصريحه بالتأكيد على أن “الأمطار التي تعرفها البلاد في هذا التوقيت تساهم أيضًا في خفض درجات الحرارة وتنقية الهواء، ما يُسهم في تأخير موجات الحر المبكرة، ويخلق نوعًا من الاعتدال المناخي في مرحلة دقيقة من الانتقال نحو فصل الصيف”.