كشفت دراسة علمية حديثة عن “غياب تام” للتركيز على الفئات المهمشة أو الضعيفة من المهاجرين الأجانب بالمغرب، تحديدا القاصرين وذوي الإعاقة وضحايا العنف، وعن حضور محدود للمرأة المهاجرة، فضلا عن ملازمة مصطلح الأفارقة للمهاجرين، ضمن معالجة وسائل الإعلام المغربية للهجرات الأجنبية.
وانتهت الدراسة المنشورة من قبل الشبكة المغربية لصحافيي الهجرات، تحت عنوان “تغطية الصحافة المغربية للهجرات الأجنبية”، حللت 184 مادة صحافية نشرتها صحف ورقية ورقمية وطنية، إلى “خلاصة صادمة، تتمثل في الغياب التام لأي تركيز على الفئات المهمشة أو الضعيفة في التغطية الإعلامية؛ سواء تعلق الأمر بالقاصرين أو الأشخاص ذوي الإعاقة أو ضحايا العنف”.
ووضحت الدراسة، طالعتها هسبريس، أن أيا من المواد الـ 184 المشمولة بالبحث ونُشرت ما بين فاتح دجنبر 2023 ومتم يونيو 2024، “لم تتطرق” لوضعية هذه الفئات؛ “حتى أن مصطلح «طفل» أو «قاصر» ذُكر مرة واحدة فقط في خبر مختصر حول تقديم الإسعافات لطفلين كانا ضمن مجموعة من المهاجرين غير النظاميين من دول جنوب الصحراء”.
وفي هذا الصدد، أفاد الإسهام العلمي الأول من نوعه بالمغرب، الذي أعده الصحافي والباحث والصحافي محمد كريم بوخصاص ونسقه الصحافي العضو بالشبكة صلاح الدين المعيزي، بأن “تمثيل المرأة المهاجرة يكاد يكون منعدما؛ فمن أصل 184 مادة إعلامية تشكل عينة الدراسة لم تتطرق سوى ثلاث مواد إلى المرأة المهاجرة، بنسبة تغطية تقل عن 2 في المائة”.
وسجل الباحث أن “هذا التجاهل” يثير “تساؤلات عميقة حول قدرة الإعلام المغربي على مقاربة النوع في تغطيته لقضايا الهجرة، خاصة في ظل الصورة النمطية التي لطالما اشتكت منها جمعيات مدنية حول تصوير المرأة إما كضحية ضعيفة أو كشخص غير قادر على التأقلم في البيئة الجديدة”.
“الأفارقة” مُعمم
وإحدى “الصور النمطية البارزة”، التي رصدها الباحث ضمن المواد الإعلامية المدروسة، “هي التعميمات والاستعمالات اللغوية مثل مصطلح «الأفارقة»، أو الإشارة إلى هوية الدولة التي ينحدر منها المهاجر”، مُشيرا إلى أنها “تكاد تكون حالة عامة في الإعلام المغربي، كما يظهر من أمثلة عدة”.
كما “تبرز الصور النمطية والخطابات التمييزية في الإعلام”، وفق المصدر عينه، “من خلال الإشارة إلى هوية مرتكب الجريمة وأصله الجغرافي؛ حيث يتم تسليط الضوء على المهاجرين عند ارتكابهم جرائم بطريقة مبالغ فيها، والتركيز على أصلهم”. وشرح أن ذلك “يُعطي الإعلام انطباعا مُضللا بأن فئة معينة من الأشخاص، بناء على هويتهم أو جنسيتهم، ترتبط بشكل وثيق بممارسات إجرامية”.
من ناحية الأجناس الصحافية الأكثر توظيفا في معالجة الهجرات الأجنبية من قبل الصحافة المغربية، اتضح للباحث من تحليل نتائج الدراسة أن “التقارير احتلت المرتبة الأولى بنسبة 33 في المائة (..)، وجاء الخبر المختصر في المرتبة الثانية بنسبة 28 في المائة، يليه الخبر الموضح بنسبة 24 في المائة”.
وأكمل المصدر: “عند جمع هذه الأجناس الثلاثة، يتبين أنها تشكل الغالبية العظمى من المعالجة الإعلامية، بنسبة إجمالية تبلغ 85 في المائة”، مُردفا أن هذا “رقم يعكس توجه الإعلام المغربي نحو التركيز على نقل الأخبار والأحداث الجديدة بشكل سريع ومحايد”.
الصدارة “للأمن”
مُتعمقة في تفاصيل معالجة الإعلام المغربي للهجرات الأجنبية، انتهت الدراسة إلى هيمنة الهجرة غير النظامية على هذه المعالجة بنسبة 72 في المائة، متبوعة بالهجرة بشكل عام بنسبة 22 في المائة. أما الهجرة النظامية فإنها تستأثر بقسط محدود من معالجة الصحافة الوطنية للموضوع، بلغت نسبته 3 في المائة.
على صعيد المواضيع الرئيسة المشمولة بالمعالجة الصحافية لقضايا المهاجرين الأجانب بالمغرب، أظهرت نتائج الدراسة أن الأمن ومراقبة الحدود “هما الموضوعان الأكثر تناولا في التغطية الإعلامية المغربية؛ حيث يشكلان نصف ما تنشره الصحف المغربية، سواء الورقية أو الإلكترونية، بنسبة إجمالية بلغت 49 في المائة”. وتتوزع هذه النسبة، وفق النتائج عينها، “بين 28 في المائة للمواضيع المتعلقة بالأمن و21 في المائة لمراقبة الحدود”.
وفسر الباحث “هذا التركيز بهيمنة القضايا المرتبطة بتوقيف المهاجرين وإحباط عمليات التسلل إلى أوروبا؛ وهو ما يعكس اهتماما واضحا بتأمين الحدود ومكافحة الهجرة غير النظامية”.
في الصدد ذاته، تستأثر مواضيع حقوق الإنسان بنسبة 17 في المائة من التغطية، بينما تجيء المرتبطة بسياسة الهجرة في المرتبة الرابعة بنسبة 14 في المائة، ثم الخاصة بإدماج المهاجرين خامسة بنسبة 9 في المائة. أما موضوع الثقافة، فقد كان حضوره “رمزيا” بنسبة 4 في المائة فقط؛ وفق المصدر ذاته.