لم يقتصر وقع الهجوم الإسرائيلي على اجتماع لقيادات حماس في الدوحة على زلزال سياسي وأمني فحسب، بل فتح الباب أمام مراجعة جذرية لخيارات قطر الاستراتيجية في مجالي الأمن والطاقة. فالدوحة، التي استضافت لعقود قاعدة العُديد والسيلية الأمريكيتين، وقدّمت مليارات الدولارات في صفقات دفاعية وتجارية مع واشنطن، تجد نفسها اليوم أمام واقع يُضعف ثقتها في الضمانات الأمريكية.
وفقًا لموقع يوراسيا ريفيو، فإن هذا الحدث يمثّل نقطة تحوّل في إدراك القيادة القطرية لمعنى ومغزى وجدوى “المظلة الأمنية” التي طالما اعتُبرت غير قابلة للاهتزاز.
لكن القصة لا تقتصر على الجانب الأمني، ووفقًا لتقرير موسّع نشره موقع أويل برايس المتخصص في شؤون الطاقة، فإن قطر تواجه كذلك تحديات متشابكة مع أسواق النفط والغاز العالمية.
ففي الوقت الذي شهدت فيه أسعار خام برنت تراجعًا إلى 67.20 دولارًا للبرميل، وانخفض خام غرب تكساس الوسيط إلى 63.08 دولارًا، وبلغ خام مربان 70.64 دولارًا، إذ تبدو أسواق الطاقة العالمية تحت ضغط ضعف الطلب وزيادة المعروض، ما يفرض على قطر، كأكبر مصدر عالمي للغاز الطبيعي المسال، أن توازن بين استحقاقات دورها كقوة طاقة دولية وضغوط البيئة الجيوسياسية الجديدة التي تخيم على المنطقة بأسرها في أعقاب الهجوم الإسرائيلي.
من الناحية الأمنية، يشير تحليل أويل برايس إلى أن الهجوم الإسرائيلي عصف بصدقية واشنطن كضامن لأمن الخليج، خصوصًا أن قطر كانت قد تلقت تطمينات أمريكية وإسرائيلية بعدم استهداف قادة حماس على أراضيها. خرق هذه التطمينات زاد من قناعة الدوحة بضرورة البحث عن شركاء جدد في مجالات الدفاع، سواء عبر تعزيز تعاونها مع تركيا ومصر وباكستان، أو عبر الانفتاح على الصين وروسيا كقوى صاعدة في المنطقة.
أما على المستوى الاقتصادي، فقد شدد تقرير أويل برايس على أن استقرار صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال (LNG) بات مهددًا بعوامل عدة: من بينها المنافسة الروسية عبر مشروع Arctic LNG 2، وتوسع الصين في خطوط الإمداد البرية مثل خط “قوة سيبيريا 2” الذي يضمن إمدادات ثابتة بكلفة أقل.
ومع توقيع قطر اتفاقيات طويلة الأمد مع المشترين الآسيويين، لا سيما الصين، فإن أي ارتفاع في المخاطر الجيوسياسية قد يزيد من كلفة التأمين والشحن، وبالتالي يُضعف القدرة التنافسية للغاز القطري في الأسواق العالمية.
كما أشار التقرير إلى أن قطر قد تلجأ إلى إعادة تقييم علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل، خاصة في ما يتعلق بميناء حمد الاستراتيجي الذي يُعد مركزًا رئيسيًا في شبكات التجارة البحرية العالمية. وإذا قررت الدوحة فرض قيود على حركة السلع ذات الصلة بإسرائيل، فقد يتسبب ذلك في تعطيل مشاريع مثل الممر الاقتصادي الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي، ويقوّض طموحات إسرائيل في لعب دور محوري في سلاسل الإمداد العالمية.
اللافت أن هذه التطورات الأمنية والاقتصادية تتقاطع مع واقع أسواق النفط، حيث تعاني الأسعار من ضغوط هبوطية مستمرة.
انخفاض خام بوني لايت النيجيري إلى 78.62 دولارًا وخام لويزيانا لايت إلى 64.91 دولارًا يعكس حالة عدم اليقين في الأسواق، وهو ما قد يدفع المستثمرين إلى إعادة تقييم رهاناتهم على الطاقة في الشرق الأوسط.
وبما أن قطر لاعب رئيسي في معادلة الغاز، فإن أي توتر سياسي أو أمني سيترك أثره المباشر على حركة الأسواق، وربما يعزز نفوذ منافسين مثل روسيا وأستراليا في المدى المتوسط.
ويرجح موقع أويل برايس أن الهجوم على الدوحة لم يكن مجرد حادث أمني عابر، بل لحظة فاصلة تدفع قطر إلى إعادة رسم ملامح سياستها الخارجية والاقتصادية.
وفقًا لموقع يوراسيا ريفيو وأويل برايس، فإن الدوحة تقف اليوم على مفترق طرق بين الاستمرار في الاعتماد على الولايات المتحدة رغم هشاشة الحماية، أو الانفتاح على شركاء جدد يضمنون لها مظلة أمنية واقتصادية أكثر توازنًا.
لكن المؤكد أن آثار ما جرى ستتجاوز حدود الخليج لتطال مستقبل أسواق الطاقة العالمية والتوازنات الجيوسياسية في المنطقة بأسرها.