عاد ملف سد النهضة الإثيوبي للواجهة مرة أخرى، بعدما أعلنت أديس أبابا افتتاحه رسميا عبر تدشين حفل الافتتاح بمشاركة دول أفريقية بينها جنوب السودان، فيما دعيت القاهرة والخرطوم لحفل الافتتاح لكنهما لم يحضرا.
ووجهت مصر خطابًا إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إثر التطورات الأخيرة في النيل الأزرق وتنظيم إثيوبيا لفعالية للإعلان عن انتهاء وتشغيل سدها المخالف للقانون الدولي.
وبحسب البيان الصادر عن وزارة الخارجية، أوضح الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية، أنه رغم كل المساعي الواهية لمنح السد الإثيوبي غطاء زائفًا من القبول والشرعية إلا أن السد يظل إجراء أحاديًا مخالفًا للقانون والأعراف الدولية ولا ينتج عنه أية تبعات من شأنها التأثير على النظام القانوني الحاكم لحوض النيل الشرقي طبقًا للقانون الدولي. فضلًا عما تمثله التصرفات الإثيوبية الأخيرة من خرق جديد يضاف إلى قائمة طويلة من الانتهاكات الإثيوبية للقانون الدولي.
وعدد الخطاب انتهاكات أديس أبابا، للبيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في 15 سبتمبر 2021، منوهًا بأن مصر لديها موقف ثابت في رفض الإجراءات الأحادية الإثيوبية في نهر النيل وعدم الاعتداد بها أو القبول بتبعاتها على المصالح الوجودية لشعوب دولتي المصب مصر والسودان.
بدوره، قال الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتبجية، الدكتور عمرو هاشم ربيع، خلال مقال له على موقع "الجزيرة"، إن القاهرة تصر على أنها لم تعدم الوسائل التي تقوض بها المساعي الإثيوبية للانفراد بالنيل، أو لمد نفوذها الإقليمي.
ولفت ربيع إلى أن القاهرة تنظر اليوم بكثير من الامتعاض إلى افتتاح "سد النهضة"، أو كما تسميه "السد الإثيوبي"، إذ ترى أنه لم يحقق التنمية المنشودة، لا لإثيوبيا ولا لجيرانها. ففي نظرها، تشغيل ستة توربينات من أصل 16، بطاقة توليد لا تتجاوز 1800 ميجاواط من أصل 5600 ميجاواط مستهدفة، يعد مؤشرا على الإخفاق. كما ترى أن فكرة تصدير الكهرباء تحولت إلى حلم بعيد المنال.
يضيف ربيع: "ترى مصر أن افتتاح السد لا يعني تكريسا للأمر الواقع، فالمشكلات الأساسية ما زالت قائمة: ماذا عن إدارة الجفاف؟ وماذا لو انهار السد؟ وأين هي معايير الأمان؟ الضرر قد وقع بالفعل على مصر والسودان بعد ملء 64 مليار متر مكعب من المياه في منطقة جيولوجية شديدة الاضطراب، حاملة لتشققات وصخور هشة، مما ينذر بانهيارات كارثية في حال حدوث زلازل ناجمة عن هذا الحمل المائي الهائل".
وتساءل ربيع عن الذي تستطيع مصر فعله؟ فيقول: "تتمسك مصر والسودان بحق العودة إلى مجلس الأمن، استنادا إلى الفصلين السادس والسابع، في محاولة لردع إثيوبيا عن الاستفراد. وتراهنان على مبادرة حوض النيل، كمنصة لجذب مزيد من دول المنبع إلى اتفاقية جديدة بديلة لعنتيبي، خاصة أن هناك آمالا في انضمام دول كتنزانيا، وكينيا، وأوغندا، والكونغو الديمقراطية".
يشير ربيع إلى أن واحدة من أبرز أوراق القاهرة في مواجهة التمدد الإثيوبي، دعم علاقتها بكل من الصومال، وإريتريا. فمع العبث الإثيوبي التاريخي في إقليم أوغادين، وإثارة النزعات القومية، تسعى مصر إلى دعم استقرار الصومال، والتعاون مع إريتريا لتأمين موطئ قدم على البحر الأحمر، الذي تحلم إثيوبيا بالوصول إليه؛ كونها إحدى كبرى الدول الحبيسة في العالم.
يضيف ربيع: "أقرت القاهرة مع مقديشو، في أغسطس 2024، مشاركة عسكرية ضمن بعثة AUSSOM لدعم أمن الصومال، بواقع 4 آلاف جندي مصري للفترة من 2025 إلى 2029، وذلك بعد انتهاء مهمة بعثة ATMIS، وأرسلت كميات من العتاد العسكري في سبتمبر 2024".
يتابع: "لم تمر هذه الخطوة مرور الكرام، إذ صرح سليمان ديديفو، سفير إثيوبيا في مقديشو، لقناة "يونيفرسال الصومالية" قبل أيام من وصول القوات المصرية، بأن هذا الوجود يشكل "تحديا سياسيا وإستراتيجيا" للقوات الإثيوبية".
العلاقات مع إريتريا
يوضح ربيع أنه بخصوص أسمرا، فتسعى القاهرة إلى توسيع التعاون مع إريتريا في ملفات عدة، على قاعدة مشتركة من العداء لجبهة تحرير التيغراي، وهو تلاقٍ يبدو أنه يزداد رسوخا.
أما داخليا، فتنفذ مصر مشاريع ضخمة في مجال ترشيد المياه، ومعالجة الصرف الزراعي والصحي، لتحسين كفاءة استخدام الموارد المتاحة. ومن بين تلك المشاريع، محطة "المحسمة" التي تنتج مليون متر مكعب يوميا، تستخدم لري 60 ألف فدان. وهناك كذلك 11 محطة تحلية تعمل حاليا، بطاقة 485 ألف متر مكعب يوميا، ضمن خطة لزيادة عدد المحطات إلى 23 بين 2025 و2030، بطاقة إجمالية 2.65 مليون متر مكعب يوميا".
يختتم ربيع حديثه بالقول: "هكذا يبدو أن منطقة حوض النيل لم تهدأ رغم افتتاح السد، بل ربما نشهد تصعيدا جديدا، من نوع آخر، لا يُعرَف مداه بعد".
كلن الخطاب المصري لمجلس الأمن أشار إلى أنه منذ البدء الأحادي لمشروع السد الإثيوبي وعلى مدار السنوات الماضية، مارست القاهرة أقصى درجات ضبط النفس واختارت اللجوء للدبلوماسية والمنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة، ليس نتيجة لعدم قدرة عن الدفاع عن مصالحنا الوجودية، وإنما انطلاقًا من اقتناع مصر الراسخ بأهمية تعزيز التعاون وتحقيق المصلحة المشتركة بين شعوب دول حوض النيل وفقًا للقانون الدولي، بما يحقق المصالح التنموية ويراعي شواغل دول المصب.
لكن في المقابل، تبنت أديس بابا مواقفًا متعنتة وسعت للتسويف في المفاوضات وفرض الأمر الواقع، مدفوعة في ذلك بأجندة سياسية - وليست احتياجات تنموية - لحشد الداخل الإثيوبي ضد عدو وهمي متذرعة بدعاوي زائفة حول السيادة على نهر النيل الذي يمثل ملكية مشتركة للدولة المتشاطئة.
وشددت مصر على أن أية تصورات مغلوطة بأن القاهرة قد تغض الطرف عن مصالحها الوجودية في نهر النيل هي محض أوهام، وأن مصر متمسكة بإعمال القانون الدولي في نهر النيل، ولن تسمح للمساعي الاثيوبية للهيمنة على إدارة الموارد المائية بصورة أحادية، وتحتفظ بحقها في اتخاذ كافة التدابير المكفولة بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن المصالح الوجودية لشعبها.