لا يزال شبح اندلاع حرب جديدة بين إيران وإسرائيل يخيم على المستقبل القريب، ووفق “إندبندنت فارس”، يبدو أن المرشد الأعلى للثور ة الإيرانية، علي خامنئي يراهن على أنه إذا ما تجاوز مواجهة عسكرية وبقي النظام قائمًا، فإنه قادر أيضًا على تخطي خطر تفعيل "آلية الزناد" عبر ما يسميه "الصبر الاستراتيجي" إلى حين انتهاء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وتقضي هذه الآلية بإعادة فرض العقوبات الدولية تلقائيًا على قطاعات أساسية في الاقتصاد الإيراني، غير أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين توحي بمحاولة للتقليل من أثر هذه العقوبات في خطوة تبدو كمقدمة لتهيئة الرأي العام لاحتمال اللجوء إلى تفعيل "آلية الزناد".
ولا تزال بريطانيا وفرنسا وألمانيا، مثل إيران، أعضاءً على الورق في خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، ولديها حتى شهر أكتوبر المقبل مهلة لتفعيل "آلية الزناد"، لكن يتعين عليها عمليًا بدء الإجراءات الإدارية لذلك خلال نحو أسبوعين.
وحذرت الترويكا الأوروبية طهران من أن أمامها حتى نهاية أغسطس الجاري للامتثال، غير أن تقارير تشير إلى أن النظام الإيراني لم يُبدِ ترحيبًا بمقترح الدول الثلاث لتمديد مهلة الآلية ستة أشهر والدخول في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة. وفي المقابل أبلغت بريطانيا وفرنسا وألمانيا الأمم المتحدة أنها مستعدة لتفعيل الآلية إذا ما لم يتحقق أي تقدم.
ومن الواضح أن عودة العقوبات الدولية ستفاقم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها إيران، لكن يبقى السؤال: لماذا رحب مسؤولو النظام الإيراني بهذا المسار؟
قبل شهرين من الهجوم الإسرائيلي تلقى خامنئي رسالة من ترمب عرض فيها اتفاقًا يقضي، بحسب ما يُقال، بإنهاء الأنشطة النووية الإيرانية بصورة كاملة. وعلى رغم علمه بأن انتهاء مهلة الـ60 يومًا سيعني مواجهة الخيار العسكري، رفض المرشد الإيراني العرض وفتح الباب أمام الحرب.
واليوم، وبعد أن تعرضت منشآت نووية رئيسة لأضرار جسيمة وقتل عشرات القادة العسكريين والخبراء النوويين، فيما يبقى المجال الجوي الإيراني مكشوفًا، يبدو أن خامنئي، لأسباب منها خلافه الشخصي مع ترمب، بعيد من القبول بـ"استسلام غير مشروط"، كما وصفه الرئيس الأميركي صراحة. وفي ولاية ترمب الأولى رفض المرشد عرضًا مماثلًا، مما زاد من وطأة العقوبات على إيران.
وتشير التطورات المتعلقة بالملف النووي الإيراني ومشروع النفوذ الإقليمي للنظام الإيراني إلى أن طهران قد تسعى من خلال مزيج من المناورات الدبلوماسية وإثارة الغموض حول الأنشطة النووية وترك نافذة تفاوضية جزئية وبعض التغييرات الشكلية الداخلية، إلى تجاوز السنوات الثلاثة والنصف المتبقية من ولاية الرئيس ترمب، معتمدة، كما هو المعتاد، على شراء الوقت.
وتأتي التصريحات المتناقضة لمسؤولي النظام الإيراني في شأن مدى تضرر المنشآت النووية في وقت وصلت فيه العلاقات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أدنى مستوياتها مع إعلانهم جهلهم بمصير 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب والتعبير عن رغبة بالتفاوض في الوقت نفسه الذي ينفون فيه إمكان التفاوض في هذا السياق نفسه.
وجاءت عودة علي لاريجاني، صاحب الخبرة في العمل مع دول المنطقة وأوروبا، إلى منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي ضمن هذا التوجه. ففي زيارته الأخيرة إلى العراق، قال لاريجاني إن "المقاومة ليست في حاجة لوصاية"، وفي بيروت نفى أي تدخل في الشؤون الداخلية للبنان. وبعد يوم واحد من هذه الزيارات، قال نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إنه كخبير في الشؤون العسكرية يرى أن الحرب غير محتملة في الوقت الحالي.
وتشير تصريحات المسؤولين الإسرائيليين إلى أن الهجمات الأخيرة أجلت تقدم البرنامج النووي الإيراني نحو عام كامل. ومن جانبه يؤكد ترمب مع علمه بهذه الفترة الزمنية أن هدفه هو تدمير المنشآت النووية للنظام الإيراني، مؤكدًا أنه لا يستعجل الدخول في مفاوضات، لكنه مستعد لشن هجوم جديد.
وفي وقت أبقت فيه السياسات الخارجية الطائفية والمهنية الإيرانية أسيرة كابوس الحرب والعقوبات، مما يزيد من تدهور الاقتصاد يوميًا بعد يوم، ظهر اللاعبون المحليون والدوليون لتحقيق هدف آخر، وهو "الحفاظ على النظام"
وبالنسبة إلى خامنئي وحلفائه ثمة لون أعلى من سواد الحرب والعقوبات و"آلية الزناد"، وهو "بياض سقوط النظام".