شهدت مصر في الفترة الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في وقائع العنف الأسري، حيث أصبحت الأخبار اليومية تزخر بحوادث تهز المجتمع، كان آخرها واقعة تشويه وجه عروس على يد طليقة زوجها السابق؛ هذه الجرائم لم تعد حوادث فردية عابرة، بل باتت تعكس خللًا متناميا في المجتمع المصري، ربما تتداخل فيه عوامل كثيرة، منها الضغوط الاقتصادية والنفسية مع ضعف الوعي الأسري وغياب الردع القانوني الفعال.

ومع تزايد معدلات الجرائم المرتبطة بالخلافات الأسرية، تبرز تساؤلات عديدة منها، ما أسباب هذا تزايد العنف الأسري في مصر؟ وهل القوانين الحالية غير رادعة؟ وكيف يمكن معالجة هذه الظاهرة قبل خراب البيوت؟.
خبير أمني
وتعليقًا على ذلك، قال اللواء رأفت الشرقاوي، مساعد وزير الداخلية الأسبق والمحاضر بأكاديمية الشرطة، إن جرائم العنف الأسري تطفو على السطح من حين لآخر، مسببة هدمًا لأركان الأسرة، حيث قد يتعدى الزوج أو الزوجة على الطرف الآخر، لينتهي الأمر إما بإعدام أو سجن المعتدي، ووفاة الطرف الثاني، وتشرد الأطفال الذين يواجهون المجتمع بصورة مشوشة، محملين بنفس الشعور الذي حُرموا منه في أسرهم.

وأضاف مساعد وزير الداخلية الأسبق، في تصريحات خاصة لـ“مصر تايمز” أن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها المجتمع أسهمت في ظهور أنماط جديدة من العنف الأسري، مشيرا أن أسباب هذا العنف متعددة؛ فقد تكون فردية، مثل اضطرابات الشخصية، أو تاريخ التعرض للعنف في الماضي، أو إدمان الكحول والمخدرات، وقد تكون اجتماعية، مثل اختلال توازن القوى بين الجنسين وعدم المساواة، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن التربية القاسية أو المتساهلة، وضعف الوازع الديني، والعوامل النفسية المرتبطة بالتحكم والسيطرة والغضب الشديد.
وأوضح أن وزارة الداخلية تؤمن إيمانًا استراتيجيًا راسخًا بدور المرأة الفاعل في كافة مجالات المنظومة الأمنية، مؤكدًا أنه بات من المستحيل تحقيق الأمن دون تمكين المرأة وتعزيز دورها.
وتابع "الشرقاوي": أن مكافحة العنف يتخذ عدة محاور أساسية؛ أولها التجريم الجنائي، وثانيها توظيف آليات الوزارة لاستقبال شكاوى المرأة وتحويلها للجهات المختصة، إضافة إلى تمكينها من الحصول على مختلف الخدمات الأمنية، ووضع إجراءات وقائية لحمايتها من أوجه العنف.
وكشف أن وزارة الداخلية تنظم بشكل مستمر دورات تدريبية متخصصة في مجالي "العنف ضد المرأة وحقوق الإنسان" بمقر أكاديمية الشرطة، بالتنسيق مع المنظمات الدولية المعنية، ومنها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، بهدف صقل قدرات الكوادر الأمنية، خاصة المعنيين بملف مكافحة العنف ضد المرأة.
القانون المصري والعنف الأسري
من جهته، قال محمود الروبي، المحامي والمستشار المتخصص في المحاكم الجنائية والمدنية والاقتصادية، إن العنف الأسري ليس مجرد اعتداء جسدي فحسب، بل هو كسر للروح وتمزيق للوجدان واستغلال غير مشروع للسلطة الأدبية، وقد يحول المنزل من كونه ملاذًا آمنًا إلى ساحة حرب وغير مستقرة؛ وأن أثره لا يتوقف عند حدود الجسد، بل يمتد ليهدد استقرار الأسرة ومن ثم المجتمع بأكمله عبر تصدير أفراد غير أسوياء نفسيًا واجتماعيًا.

وأضاف المحامي والمستشار المتخصص في المحاكم الجنائية والمدنية والاقتصادية، في تصريحات خاصة لـ"مصر تايمز"، أن القانون المصري تناول صورًا من العنف الأسري بنصوص متفرقة، مثل المادة 242 من قانون العقوبات وما بعدها بشأن الضرب والإيذاء، والمادة 267 الخاصة بالاعتداء الجنسي، إضافة إلى نصوص قانون الأحوال الشخصية التي تجيز التطليق للضرر، وكذلك قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 وتعديلاته التي تحظر العنف والإهمال؛ إلا أن هذه النصوص، تفتقر إلى الشمولية والتخصص، ولا توفر حماية عاجلة أو إجراءات استثنائية، مما يترك الضحايا في دائرة من البطء الإجرائي وفقدان الأمان القانوني.
وأشار “الروبي” إلى أن العنف الأسري يترك تكلفة اقتصادية مباشرة وغير مباشرة، فهو يقلل إنتاجية الأفراد، ويرفع تكاليف الرعاية الصحية والنفسية، كما يثقل كاهل الدولة بأعباء إضافية في مجالات الأمن والرعاية الاجتماعية.
وطالب المشرّع المصري بسرعة إصدار قانون خاص بالعنف الأسري يتسم بالشمول والفاعلية، ويتضمن:
1. تعريفًا دقيقًا للعنف يشمل الجسدي والنفسي والجنسي والاقتصادي.
2. إنشاء دوائر ومحاكم متخصصة للفصل السريع في هذا النوع من القضايا.
3. تدابير حماية عاجلة مثل إبعاد الجاني وتوفير دور إيواء للضحايا.
4. خط ساخن وفرق تدخل سريع بعيدًا عن البيروقراطية.
5. تجريم صور العنف غير التقليدية مثل الحرمان المادي والعزل الاجتماعي.
6. برامج لإعادة تأهيل الضحايا والجناة بما يضمن إعادة دمجهم في المجتمع.
7. حملات توعية وطنية لكسر ثقافة الصمت وترسيخ أن العنف ليس خلافًا عائليًا بل جريمة تستوجب العقاب
التنشئة الخاطئة واضطرابات الشخصية تغذي جرائم الأسرة
“الجرائم الأسرية التي شهدها المجتمع المصري مؤخرًا، والتي وصلت في بعض الحالات إلى مستوى بشع وغير مسبوق، ليست نتاج عامل واحد بل نتيجة تراكمات اجتماعية ونفسية واقتصادية متشابكة، بهذه الكلمات بدأ الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، حديثه لـ”مصر تايمز"، مضيفًا أن نمط التنشئة الاجتماعية يعد أحد أهم العوامل المؤثرة؛ فالأشخاص الذين نشأوا في بيئة يسودها العنف، ويغيب عنها الحوار، وتكثر فيها الإهانات والوصم، غالبًا ما يعيدون إنتاج هذا السلوك في حياتهم الزوجية والأسرية.

وأشار "هندي" إلى أن من بين أبرز الأسباب أيضًا ضعف التعليم وقلة الأنشطة التربوية والفنية والموسيقية في المدارس، ما يؤدي إلى غياب الحس الإنساني لدى النشء، إضافة إلى اضطرابات الشخصية مثل العدوانية والسادية والسيكوباتية، التي تجعل بعض الأفراد يتلذذون بإيذاء الآخرين أو لا يشعرون بالندم بعد ارتكاب الجرائم.
وأوضح أن البيئة المحيطة تلعب دورًا كبيرًا، سواء من حيث الزحام والعشوائيات أو الفقر والبطالة، إلى جانب تعاطي المخدرات الذي وصل في مصر إلى ما يقرب من 21.5 مليون متعاطٍ أو مدمن، ما يخلق حالات من الغيبوبة الحسية وتبلد المشاعر وانفصام عن الواقع، تؤدي في كثير من الأحيان إلى جرائم بشعة، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية والنفسية، إلى جانب الإحباط وفقدان الانتماء الأسري، وخاصة بعد جائحة كورونا.
وتابع: أن ضعف الوازع الديني، وانشغال الآباء والأمهات بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، أدى إلى تراجع مشاعر الأبوة والأمومة وفقدان الإحساس بالمسؤولية الأسرية.
واختتم هندي تصريحاته قائلاً إن بعض الأمراض النفسية مثل الوسواس القهري واضطراب ثنائي القطب قد تكون وراء بعض الجرائم، فضلًا عن تأثير التلوث البيئي وسوء التغذية في خفض معدلات الذكاء وزيادة السلوك العدواني.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.