الصين تعتبر ولاية ترامب الثانية فرصة لإعادة تشكيل النظام العالمي
تتزامن عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، للبيت الأبيض مع انعقاد قمتين رئيستين في أميركا الجنوبية، في الوقت الذي تهيمن فيه حالة عدم اليقين على المسرح العالمي، بشأن تسوية صراعات تدور رحاها في أوروبا والشرق الأوسط، وتنعكس سلباً على الاقتصاد العالمي.
وربما تستعد الصين أكثر من معظم البلدان الأخرى، لعلاقات متوترة مع الولايات المتحدة، لكن بالنسبة للرئيس الصيني شي جينبينغ، فإن القمتين توفران فرصة في أعقاب فوز ترامب في الانتخابات لتعزيز أهداف بكين، التي تسعى إلى «تقديم نفسها زعيماً بديلاً ومستقراً».
إن مدى نجاح بكين في عرض أهدافها خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ التي تعقد في بيرو، وتضم 21 اقتصاداً، تليها قمة مجموعة العشرين للاقتصادات الكبرى في ريو دي جانيرو في البرازيل، الأسبوع المقبل، قد يكون حاسماً بالنسبة لها في مواجهة تداعيات ولاية ترامب الثانية.
ففي ولايته الأولى، أطلق ترامب حرباً تجارية وتكنولوجية ضد الصين، وهو المسار الذي اتبعه إلى حد كبير خليفته جو بايدن (الرئيس الأميركي الحالي)، الذي أثار غضب بكين أكثر.
وبينما قد يلجأ ترامب في ولايته الثانية لفرض مزيد من التعرفات الجمركية الثقيلة على الصين، فإن جينبينغ ووفده سيعملان على معايرة دبلوماسيتهم بعناية خلال القمتين.
ومن المتوقع أيضاً أن يحضر الرئيس بايدن، ورئيس الوزراء الياباني شيجيرو إيشيبا، ورئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، القمتين، بينما سيحضر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، قمة مجموعة العشرين.
ويقول الأستاذ المشارك للعلاقات الدولية في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، لي مينغيانغ: «من المنطقي أن يستغل المسؤولون الصينيون مثل هذه الأحداث الكبرى لمحاولة تشكيل بعض السرديات الدولية في الوقت الحالي، نظراً لعدم وجود فسحة من الوقت قبل يناير 2025»، وهو الوقت الذي يتم فيه تنصيب ترامب رئيساً.
مفتاح الحماية
وكان ترامب فرض رسوماً جمركية على جميع الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى 60%، كما أن بايدن قيّد وصول بكين إلى التكنولوجيا العالية الحساسة. وحالياً عيّن ترامب مزيداً من الصقور المناهضين للصين في حكومته المقبلة، حيث أسند منصب مستشار الأمن القومي إلى عضو الكونغرس مايك والتز، وضم السيناتور الجمهوري، ماركو روبيو إلى الإدارة الجديدة وزيراً للخارجية.
ويبدو أن رسالة التهنئة التي أرسلها جينبينغ إلى ترامب، الأسبوع الماضي، أظهرت بعض مخاوف بكين، حيث بيّن الرئيس الصيني أن البلدين «سيستفيدان من التعاون ويخسران من المواجهة»، وفقاً لوزارة الخارجية الصينية.
وقد يتطلع جينبينغ إلى تأكيد هذه الرسالة خلال اجتماع أخير مع بايدن، قال مسؤولون أميركيون كبار، إنه سيعقد في ليما عاصمة بيرو.
ويقول المراقبون إن بكين ستستخدم مثل هذه الاجتماعات للإشارة إلى أنها تريد التواصل والاستقرار في علاقتها مع أميركا، لكن مع تزايد التساؤلات حول مدى التوتر الذي قد يطغى على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، ترى بكين أن العلاقات الجيدة مع مجموعة واسعة من البلدان الأخرى، والوصول غير المقيّد إلى أسواقها، يشكّل مفتاح حماية لاقتصادها.
فرصة
وسيراقب العديد من القادة الذين عملوا جنباً إلى جنب مع بايدن بحذر كيف قد يُغيّر ترامب – المعروف بدبلوماسيته غير المنتظمة – علاقاته معهم، عندما يباشر ولايته في يناير المقبل.
تحسين العلاقات
لقد اتخذت بكين فعلاً خطوات لتحسين علاقاتها مع حلفاء وشركاء أميركا الرئيسين في الأشهر الأخيرة، فعلى سبيل المثال، تم السماح لمواطني العديد من الدول الأوروبية بدخول الصين دون تأشيرة، واستئناف قمة ثلاثية مع اليابان وكوريا الجنوبية.
والتقى الرئيس الصيني وشريك آخر وثيق للولايات المتحدة، هو رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، في أول اجتماع ثنائي رسمي لهما منذ خمس سنوات في أكتوبر، بعد التوصّل إلى اتفاق بشأن فك الارتباط العسكري على طول حدودهما المتنازع عليها، وهي خطوة مهمة لتخفيف التوترات.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، تعهد رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، أمام القادة والمسؤولين التنفيذيين في معرض تجاري بأن تفتح الصين أسواقها بشكل أكبر، لخلق «فرص عالمية عظيمة»، على حد تعبيره.
قوة كبيرة
من المرجح أن يواصل جينبينغ ووفده إرسال مثل هذه الرسائل إلى شركاء الولايات المتحدة خلال قمتي ليما وريو دي جانيرو، في حين يتطلعون أيضاً إلى عرض الصين كقوة كبيرة تكرّس نفسها للاستقرار العالمي.
وقال مدير برنامج الصين في مركز «ستيمسون» للأبحاث في واشنطن، يون صن: «بالنسبة لمجموعة العشرين ومنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، ستكون رسالة الصين هي: هناك حالة من عدم اليقين الكبير في المستقبل، وأن الصين هي اليقين، وستظل ملتزمة بالسلام والتنمية». ومع ذلك، يقول المراقبون إن القادة الصينيين سيواجهون صراعاً شاقاً لكسب ثقة شركاء الولايات المتحدة.
وبصرف النظر عن أي احتكاكات مع الرئيس الأميركي المستقبلي، فقد راقبت هذه الدول بقلق كيف صعّد الرئيس الصيني احتكاكاته ضد خصومه في بحر الصين الجنوبي وتايوان، بينما دعم نظيره الروسي فلاديمير بوتين في الحرب مع أوكرانيا.
ومع ذلك، قد لا يكون لدى هذه الدول خيار سوى التعاون مع الصين بشكل أكبر، إذا كرّر ترامب قرارات ولايته الأولى بالانسحاب من منظمات مثل منظمة الصحة العالمية، أو الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية باريس للمناخ.
«زعيم» بديل
ومن شأن مثل هذه التحركات أيضاً أن تعزّز هدف الرئيس الصيني الطويل الأمد لإعادة تشكيل النظام الليبرالي العالمي، الذي يراه منحازاً بشكل غير عادل نحو الولايات المتحدة، وتقديم الصين «زعيماً» بديلاً له.
وبحسب الأستاذ المشارك للعلاقات الدولية في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة: «إذا كانت أميركا تنسحب من النظام العالمي، فهناك مساحة لشخص آخر ليتدخل، والصين هي واحدة من الدول القليلة جداً التي لديها بعض القدرة وبعض النية لسدّ هذه الفجوة».
وأشار إلى أن قدرة الصين على القيام بذلك مرتبطة بقوة اقتصادها، وكيف تتعامل مع الضغوط الإضافية المحتملة من الولايات المتحدة. وبالتالي قد تمضي بكين بحذر في دبلوماسيتها في الأيام المقبلة وجهودها الدولية الأوسع، وفقاً لمدير برنامج الصين في مركز «ستيمسون» للأبحاث في واشنطن، الذي قال، إن «بكين قلقة بشأن غضب ترامب وما يمكن أن يفعله لإلحاق الضرر بمصالحها على المستوى الثنائي»، مضيفاً: «سيتعين على الصين موازنة تقدّمها نحو الزعامة العالمية مع اعتبارات العلاقات مع الولايات المتحدة، وتجنّب طعن ترامب في عينه». عن «سي إن إن»
رسوم جمركية
هدد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، بفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة من جميع البلدان، بما في ذلك الشركاء.
كما أكد أنه سيشجع الروس على فعل «كل ما يريدونه» بشأن أي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لا تلتزم بالإنفاق على دفاع هذا التجمع.
الصين تعتزم طرح أهدافها خلال قمتي مجموعة العشرين ومنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ.
بكين تعتبر أن العلاقات الجيدة مع مجموعة واسعة من الدول والوصول غير المقيّد إلى أسواقها يشكّلان مفتاح حماية لاقتصادها.