ترامب أم هاريس.. من يفضل قطاع التكنولوجيا؟
في حين يرى البعض أن ترامب يقدم وعوداً بمزيد من تخفيف القيود التنظيمية والضرائب على الشركات، مما يتيح فرصاً جديدة للنمو والابتكار، يجد آخرون في كامالا هاريس بديلاً يُعزز الاستقرار الاقتصادي ويعيد تشكيل السياسات التجارية على الصعيد الدولي.
هذا الانقسام يعكس تضارب المصالح بين حتمية الابتكار ومسؤوليات الاستدامة والتنظيم، ليشكل بذلك نقطة تحول في علاقة عمالقة التكنولوجيا بالسياسة الأميركية، وقد تكون لهذه التوجهات آثار جذرية على المستقبل الاقتصادي للوادي وخططه التوسعية.
في هذا السياق، تعهد عدد من قادة الأعمال، بمن فيهم الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك، بدعم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خلال الانتخابات الأميركية. كما يدعم آخرون، مثل ريد هوفمان، المؤسس المشارك لموقع لينكدإن، كامالا هاريس.
وفيما بدأ العد التنازلي للانتخابات المقررة في الخامس من نوفمبر، ومع تصاعد حدة المعركة بين المرشحين الرئاسيين،بدأت الشركات الكبرى في التدخل لدعم مرشحيها المفضلين بطريقة أكثر انفتاحاً، بحسب تقرير لـ “يورونيوز”.
يتبنى كل مرشح سياسات مختلفة تؤثر على فرص دعمه من قبل قادة التكنولوجيا. فمن حيث السياسة المقترحة، تريد كامالا هاريس رفع معدل ضريبة الشركات في الولايات المتحدة إلى 35 بالمئة، ارتفاعاً من 21 بالمئة الحالية. ومن المتوقع أيضاً أن تفرض ضرائب على المواطنين الأميركيين الذين يقل دخلهم عن 400 ألف دولار.
من بين أبرز السياسات التي اقترحتها هاريس منح إعفاءات ضريبية جديدة للأسر التي لديها أطفال حديثي الولادة، وزيادة الضرائب على المليارديرات، ورفع الحد الأدنى للأجور. كما اقترحت وضع حد أقصى لأسعار البقالة، فضلاً عن سياسات لمنح النقابات المزيد من الصلاحيات.
وفي الوقت الحالي، عبر نحو 88 من قادة الأعمال الحاليين والسابقين عن دعمهم لهاريس، في رسالة نشرتها شبكة سي إن بي سي في وقت سابق. وتشمل هذه القائمة المؤسس المشارك لشركة لينكد إن ريد هوفمان، والملياردير مارك كوبان، والرئيس التنفيذي لشركة أوبن إيه آي سام ألتمان.
على الجانب الآخر، تشمل بعض السياسات التي اقترحها ترامب تخفيضات ضريبية قد تصل قيمتها إلى تريليونات الدولارات، فضلاً عن تعزيز إنتاج الطاقة وحفر النفط في الولايات المتحدة. كما طرح ترامب خططاً لفرض رسوم جمركية أعلى، سواء على الواردات من الصين أو من دول أخرى.
وتعهد ترامب أيضاً بخفض أسعار الفائدة، على الرغم من أن الرئيس ليس له تأثير على هذه الأسعار، فضلاً عن حظر الرهن العقاري للمهاجرين غير المسجلي.
ومن بين الأسماء الكبيرة في عالم الأعمال التي تدعم ترامب إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركتي تسلا وسبيس إكس، والذي أوضح دعمه القوي للرئيس السابق من خلال سلسلة من المنشورات على إكس على مدار عدة أشهر الآن ومن خلال الظهور معه في الحملة الانتخابية.
ومن بين الأسماء الأخرى دانا وايت، الرئيس التنفيذي ورئيس شركة Ultimate Fighting Championship وفي يوليو من هذا العام، قدم وايت ترامب في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري.
كما عبر مدير صندوق التحوط الملياردير بيل أكمان، وهو مؤسس ورئيس تنفيذي لشركة بيرشينج سكوير كابيتال مانجمنت، عن دعمه لترامب على موقع إكس، قائلاً: “اليوم، عندما أعلن عن نيتي دعم ترامب، يميل أنصار بايدن الذين يعرفونني إلى افتراض أنني فقدت أعصابي. أؤكد لكم أنني اتخذت هذا القرار بعناية وعقلانية، وبالاعتماد على أكبر قدر ممكن من البيانات التجريبية”.
مصالح مختلفة
من جانبه، يوضح أستاذ علم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي في السيليكون فالي – كاليفورنيا، الدكتور حسين العُمَري، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أنه:
- في الانتخابات الرئاسية للعام 2024، يحظى كل من دونالد ترامب وكامالا هاريس بدعم من قطاعات مختلفة في وادي السيليكون.
- يبدو أن هاريس، بفضل خلفيتها كسياسية من كاليفورنيا وعلاقاتها الطويلة مع شركات التكنولوجيا، حصلت على دعم كبير من المستثمرين.
- أطلقت مجموعة من رأس المال المغامر في وادي السيليكون حملة تُسمى مستثمرون من أجل كامالا لدعمها، واجتذبت أكثر من 800 مستثمر خلال فترة قصيرة.
- على الجانب الآخر، حظي ترامب أيضاً بدعم من شخصيات بارزة، مثل إيلون ماسك وبعض المستثمرين الليبرتاريين الذين يرون أن تدخل الحكومات يجب أن يُقلَّص لأقصى حد.
- يُفضل هؤلاء ترامب على هاريس بسبب توجهاته المتساهلة تجاه تنظيم الشركات الكبرى وقضايا مكافحة الاحتكار، على الرغم من قلقهم من سياساته الاقتصادية تجاه الصين والرسوم الجمركية التي قد تؤثر سلبًا على تنافسية الشركات الأميركية عالمياً.
ويضيف: انقسمت الشركات في وادي السيليكون بين دعم كامالا هاريس ودونالد ترامب.. يدعم هاريس عدد كبير من أصحاب رؤوس الأموال والشركات في وادي السيليكون، مثل لينكدإن بقيادة ريد هوفمان، إلى جانب مارك كوبان ومستثمرين آخرين قلقين بشأن القضايا الاجتماعية والتنظيمية. من جهة أخرى، تلقى ترامب دعماً بارزاً من إيلون ماسك، إلى جانب مستثمرين آخرين مثل مارك أندريسن وديفيد ساكس، الذين يفضلون سياسات ترامب الاقتصادية المتساهلة مع شركات التكنولوجيا الكبرى.
يتجلى هذا الانقسام في الجهود المكثفة لجمع التبرعات من كلا المرشحين في المنطقة، حيث ينظر كل معسكر إلى مواقفه باعتبارها حاسمة لمستقبل الصناعة التكنولوجية والتنافسية العالمية.
وبحسب العُمَري، يتمتع كل من المرشحين بدعم في وادي السيليكون، حيث يميل بعض المستثمرين إلى هاريس لأسباب تتعلق بالقضايا الاجتماعية والتنظيمية، في حين يدعم آخرون ترامب بفضل سياساته الاقتصادية المتساهلة مع قطاع التكنولوجيا.
وفي ضوء ذلك يتوقع أن تحصل كامالا هاريس على دعم أوسع من وادي السيليكون مقارنة بدونالد ترامب. يعود ذلك إلى ارتباطها الوثيق بولاية كاليفورنيا، بالإضافة إلى دعمها من مستثمرين وشركات قلقة بشأن السياسات الاجتماعية والتنظيمية التي تتماشى مع توجهات وادي السيليكون. في المقابل، يتمتع ترامب بدعم من مستثمرين ليبرتاريين وشخصيات بارزة مثل إيلون ماسك، لكن هذا الدعم يظل محدوداً مقارنة بحجم الدعم الذي تحظى به هاريس.
تجنب التدقيق التنظيمي الانتقامي
في هذا السياق، ذكر تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية، أن الرؤساء التنفيذيين لأكبر شركات التكنولوجيا في العالم يراقبون استطلاعات الرأي المتقاربة بين ترامب وهاريس، وربما يستعدون لرئاسة محتملة لدونالد ترامب، الذي لم يتردد قط في التهديد بـ “الانتقام” من أعدائه المفترضين، ومن ثم يحاول قادة التكنولوجيا تجنب التدقيق التنظيمي الانتقامي.
وأبرزت الصحيفة الاتصالات التي جمعت بين عدد من قادة التكنولوجيا في العالم والرئيس الأميركي السابق في هذا السياق:
- ترامب قال في مقابلة أجريت معه أواخر الأسبوع الماضي إن الرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، اتصل به لمناقشة المشاكل القانونية التي تواجهها أبل في أوروبا.
- يبدو أن ترامب قد أرهب الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت، سوندار بيتشاي، مرات كافية لدرجة أن المدير التنفيذي للشركة اتصل به للإشادة بفرصة التقاط صورة له في ماكدونالدز. وكان ترامب مسروراً جداً بالمحادثة لدرجة أنه ذكرها مرتين في مناسبتين مختلفتين، وفق الصحيفة.
- اتصل مارك زوكربيرغ من شركة ميتا بترامب في يوليو بعد محاولة الاغتيال الأولى ضده. وبعد فترة وجيزة، وصف زوكربيرغ رد ترامب على محاولة اغتياله بأنه “قوي” في إحدى حلقات البودكاست.
- اتصل الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، آندي جاسي، بترامب لتبادل المجاملات، وفقًا لشبكة سي إن إن .
- في نفس السياق، تحدث المسؤولون التنفيذيون في شركة استكشاف الفضاء بلو أوريجين التابعة لجيف بيزوس إلى ترامب بعد حدث انتخابي في أوستن، حسبما ذكرت وكالة أسوشيتد برس.
- بينما الغائب عن الاتصالات تلك كان رئيس شركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا، الذي لم يؤيد أي مرشح ولم يجر مكالمة هاتفية مع أي من المرشحين الرئاسيين.
ووفق الصحيفة، فلا تشير مكالمات الرؤساء التنفيذيين الهاتفية إلى أن ترامب سيفوز. لكن الأشخاص الأقوياء يحبون الضغط على جانبي ميزان النفوذ إذا استطاعوا، وهذا هو الحال مع الرؤساء التنفيذيين لشركات التكنولوجيا.
على الجانب الآخر، تفتخر هاريس نفسها بروابط عميقة بصناعة التكنولوجيا منذ أن كانت عضواً في مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا والمدعي العام للولاية، لكنها لا تستغل هذه العلاقات في كفاحها من أجل الحصول على أصوات الولايات المتأرجحة، بحسب الصحيفة.
في تصريحاتها العامة، اتجهت هاريس إلى وصف نفسها بالرأسمالية وتحدثت عن الشركات الناشئة والإعفاءات الضريبية للمؤسسين. وتضمن خطابها حول السياسة الاقتصادية في بيتسبرغ الشهر الماضي كلمات طنانة في مجال التكنولوجيا تتراوح من الذكاء الاصطناعي إلى تقنية البلوك تشين والحوسبة الكمومية – وهي مواضيع لم تكن محور حملتها الرئاسية المبكرة، رغم أنها دعمت بعض السياسات المؤيدة للتكنولوجيا كعضو في مجلس الشيوخ.
وقد أدى هذا التحول إلى جعل قادة التكنولوجيا يأملون في أن تكون إدارة هاريس مختلفة عن إدارة الرئيس جو بايدن في القضايا التي يهتمون بها، مثل إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار واللوائح التنظيمية الخاصة بالعملات المشفرة، بحسب بيزنس استاندرد.
دعم وادي السيلكون
وفيما يخص توجهات أثرياء “وادي السيلكون”، قال المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- من الواضح أن وادي السيليكون، مركز التكنولوجيا والابتكار في الولايات المتحدة، من أكثر المناطق التي تسعى لدعم مرشحين سياسيين يعكسون مصالحهم الاقتصادية والفكرية.
- بشكل عام، يميل هذا القطاع لدعم المرشحين الذين يتبنون سياسات تُسهّل الابتكار وتوفر بيئة محفزة للشركات الناشئة.
- من أهم القضايا التي تؤثر على دعم وادي السيليكون لأي مرشح هي سياسات الهجرة والتعليم وخصوصية البيانات، والتنظيم الحكومي لصناعات التكنولوجيا.
فيما يخص “سياسات الهجرة”، يعد وادي السيليكون بيئة جذب رئيسية للكفاءات العالمية في مجالات التقنية والهندسة. لذلك، يميل هذا القطاع لدعم المرشحين الذين يتبنون سياسات هجرة مرنة تُسهم في جذب المواهب الدولية والمحافظة على تدفق العمالة المؤهلة التي تُعتبر أساس نجاح الشركات التكنولوجية.
ويتبنى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خطاباً مناهضاً للهجرة.
أما فيما يرتبط بالتعليم والتطوير التكنولوجي، فيتمتع المرشحون الذين يركزون على تعزيز التعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) بتأييد كبير من قادة التكنولوجيا. فهم يرون أن الاستثمار في هذه المجالات سيؤدي إلى جيل جديد من المبدعين والمطورين، مما يعزز استمرارية الابتكار والنمو.
وفيما يتعلق بخصوصية البيانات وتنظيم التقنية، يعتبر وادي السيليكون من المعارضين للتدخل الحكومي الصارم في مجالات الخصوصية والبيانات، ويرى أن القوانين المتشددة قد تُعيق الابتكار وتؤثر على الشركات سلبًا. لذلك، غالبًا ما يدعم المرشحين الذين يتبنون سياسات تنظيمية معتدلة توفق بين حماية المستخدمين من ناحية، وترك مساحة للابتكار من ناحية أخرى.
التوجه السياسي
ويضيف بانافع: “تاريخياً، يميل قادة وادي السيليكون لدعم مرشحين من الحزب الديمقراطي، حيث يُنظر إليهم كأكثر توافقاً مع مصالح القطاع التقني بسبب مواقفهم الداعمة لقضايا مثل التغير المناخي، والمساواة في التعليم، والدعم الحكومي للأبحاث. ومع ذلك، فإن دعمهم ليس مرتبطاً بحزب معين بقدر ما هو مرتبط بالسياسات التي تؤثر على النمو والتوسع والابتكار في القطاع”.
ويشدد على أن دور وادي السيليكون في الانتخابات الأميركية يعتبر مهمًا نظرًا لتأثيره المالي والإعلامي، حيث أن دعم القطاع التقني يمكن أن يُعزز من فرص المرشحين الذين يرون في التكنولوجيا محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي.
دعم الأثرياء
يشار إلى أن تحليلاً سابقاً نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية لسجلات تمويل الحملات الانتخابية، قد أفاد بتبرع المليارديرات بما لا يقل عن 695 مليون دولار، أو نحو 18 بالمئة من إجمالي الأموال التي تم جمعها خلال هذه الدورة الانتخابية.
ووفق الصحيفة، فإن الرئيس الأميركي السابق ترامب يعتمد بشكل خاص على نخبة الأثرياء في الولايات المتحدة؛ إذ جاء حوالي ثلث الأموال التي جمعتها الحملة والمجموعات المتحالفة معه من المليارديرات، مقارنة بحوالي 6 بالمئة من الأموال التي جمعتها مجموعات متحالفة مع هاريس.
ومن يناير 2023 حتى منتصف أكتوبر 2024، جمعت المجموعات الداعمة لجو بايدن وكامالا هاريس 2.2 مليار دولار، متجاوزةً المجموعات المؤيدة لترامب التي جمعت 1.7 مليار دولار. وذكرت الصحيفة أن ما لا يقل عن 144 شخصاً من قائمة المليارديرات في الولايات المتحدة، المكونة من نحو 800 شخص، يستخدمون ثرواتهم للتأثير على انتخابات 2024.