سياسة الهجرة وغلاء المعيشة.. من أبرز أسباب تراجع شعبية جاستن ترودو
أعاد جاستن ترودو اختراع السياسة الكندية عندما انتُخب رئيساً للوزراء في سن 43 عاماً، عام 2015، معتمداً على مظهره الجيد وطاقته.
وبعد نحو 10 سنوات، يكافح ترودو من أجل البقاء السياسي، إذ لا يوافق نحو ثلثي الكنديين على أدائه، بينما يفقد حزبه الليبرالي مقاعد كانت آمنة ذات يوم، ويقول بعض أعضاء كتلته، إنه يتعين عليه الرحيل. والآن أصبحت شخصية ترودو غير شعبية، إذ يقول الكنديون إنهم سئموا منه ببساطة.
وقال الخبير في الاتصالات الاستراتيجية المؤيد للحزب الليبرالي، أندرو بيريز: «كان شاباً جذاباً وشخصاً يحب الصور مع معجبيه، والآن هناك ازدراء لترودو، حتى بين الناس التقدميين للغاية».
فرصة فريدة
وبعد تسع سنوات من العزلة السياسية، ترى أحزاب المعارضة الكندية فرصة فريدة لإلحاق هزيمة مدوية بترودو، تماماً مثل ما تلقاه المحافظون في بريطانيا في وقت سابق من هذا العام.
ويجب إجراء الانتخابات بحلول أكتوبر من العام المقبل، لكن يمكن الدعوة إليها في وقت أقرب إذا خسرت حكومة ترودو تصويتاً بحجب الثقة.
وقالت أستاذة السياسة في جامعة «دالهوزي» في هاليفاكس، لوري تورنبول: «المشكلة الأكبر هي إرهاق الناخبين»، مضيفة: «إنه نوع من كلفة الفائدة المترتبة على استثمار العلامة التجارية الكاملة للحزب الليبرالي في ترودو، لأنه عندما يصبح الشخص غير محبوب، فمن الصعب جداً تغيير هذا».
ويقول المحللون السياسيون وخبراء استطلاعات الرأي، إن انخفاض شعبية ترودو كان في طور التكوين لسنوات، ويرجع ذلك جزئياً إلى تراكم الفضائح، والفشل في التواصل مع الناخبين بشأن عدد من القضايا.
وفي عام 2019، حكمت هيئة مراقبة الأخلاقيات في البلاد بأن ترودو انتهك قوانين تضارب المصالح، من خلال محاولته توجيه المدعي العام بعيداً عن مقاضاة شركة مونتريال جنائياً.
وخلال الانتخابات التي جرت في وقت لاحق من ذلك العام، ظهرت صور له وهو يرتدي قناعاً أسود، ما أضر بسمعته كبطل تقدمي للتنوع.
واعتذر ترودو، وفاز الليبراليون عام 2019 ومرة أخرى في عام 2021، لكن في كل مرة كان ترودو يرأس حكومة أقلية، مع حصة أصغر من الأصوات الشعبية.
رهان كبير
ويرى محللون سياسيون وخبراء اقتصاد، أن الرهان الكبير لترودو على الهجرة لتحفيز النمو الاقتصادي، جاء بنتائج عكسية، حيث أدى إلى ارتفاع تكاليف الإسكان وفرَض ضغوطاً على الخدمات الاجتماعية والبنية التحتية.
وأفاد معهد «إنفايرونيكس» الذي يُجري استطلاعات رأي حول الهجرة منذ عام 1977، بأن نحو 60% من الكنديين يعتقدون أن البلاد تقبل عدداً كبيراً جداً من المهاجرين، مشيراً إلى أن الرأي العام بشأن الهجرة «انقلب فعلياً من كونه مقبولاً إلى إشكالي».
وكانت هناك أيضاً قوى أكبر تلعب دوراً، وترودو من بين شاغلي المناصب في جميع أنحاء العالم الغربي الذين يواجهون ناخبين غاضبين في أعقاب جائحة «كوفيد-19»، والقيود الاجتماعية المصاحبة لها.
وكان ارتفاع التضخم إلى مستويات تاريخية أيضاً عاملاً، حيث عزا وزير مالية ترودو السابق، بيل مورينو، ارتفاع الأسعار إلى إبقاء أوتاوا على التدابير المالية الطارئة لفترة طويلة جداً.
وقال شون كيسي، وهو أحد اثنين من المشرّعين من الحزب الليبرالي الذين دعوا ترودو علناً إلى التنحي، إن «نسبة متزايدة من الناخبين الذين يتحدث إليهم يكرهون رئيس الوزراء».
وأضاف كيسي الذي يمثل منطقة في جزيرة الأمير إدوارد: «هذا لا يتعلق بالسياسة»، مشيراً إلى أن معارضة الناخبين لترودو «عاطفية أكثر منها عقلانية ومنطقية».
وذكر أن ما لا يقل عن 20 من زملائه يخططون لمواجهة ترودو في اجتماع كتلة الحزب الليبرالي الأسبوع المقبل، حول الحاجة إلى الاستقالة ومنح الليبراليين فرصة في الانتخابات المقبلة. وقال: «بصراحة، أنا متشائم من أن هذا سيُحدث فرقاً، لأنه (ترودو) كان ثابتاً في رفض جميع الأساليب والضغوط».
كسب الوقت
من جهته، قال ترودو إنه لن يرحل، على الأقل ليس بهدوء، ويحاول الزعيم الأطول خدمة لدولة من مجموعة الدول السبع، التمسك بالسلطة حتى أكتوبر 2025، عندما يجب إجراء الانتخابات.
وسيُكسِبه ذلك، الوقت، لتمرير تدابير جديدة لمعالجة ارتفاع أسعار المساكن وتكاليف المعيشة، بينما يثير أيضاً الشكوك بين الكنديين حول تعامله مع المحافظين الذين تعهد زعيمهم بيير بواليفير، بالتراجع عن أجزاء كبيرة من برنامج السياسة التقدمية للحكومة الليبرالية، في حال تولى السلطة.
وإدراكاً للعقبات، قال ترودو في برنامج تلفزيوني، أخيراً: «الناس ينتقمون مني لأسباب مفهومة، حيث كنت في القيادة عبر كل هذه الأزمات، والناس يريدون أحياناً التغيير».
وفي ظهوره الأخير، قال ترودو، إن الليبراليين بحاجة إلى التحلي بالجرأة في الدفاع عن سجلهم واستهداف المحافظين، متهماً بواليفير بأنه «يكذب» و«يخدع» الكنديين، عندما ناقش سياسات الحكومة بشأن ضرائب الكربون وفوائد طب الأسنان.
وقال رئيس الوزراء، عن سبب تمسكه بمنصبه: «يتعين عليّ أن أقاتل ضد الأشخاص الذين يريدون إيذاء هذا البلد».
شخصية نضالية
ويقول المراقبون السياسيون إن بواليفير البالغ 45 عاماً، أثبت أنه شخصية نضالية ووسيلة اتصال فعالة، وشعاره الرئيس هو أن «كندا مكسورة» تحت إشراف ترودو، مع التركيز على التأثير الذي تواجهه العائلات جراء التضخم وضريبة الكربون، وأسعار الفائدة المرتفعة.
وقال بواليفير عن ظروف المعيشة تحت قيادة ترودو: «الضرائب مرتفعة، والتكاليف مرتفعة، والجريمة مرتفعة.. والآن انتهى وقته».
ورد ترودو قائلاً إن «بواليفير والمحافظين لا يقدمون أكثر من شعارات وهجمات شخصية»، معتبراً أن زعيم حزب المحافظين ودود للغاية مع منظّري المؤامرة، وهو «مسؤول جامعي تحول إلى سياسي محترف».
وخدم بواليفير في الهيئة التشريعية لعقدين. وحاول حزب المحافظين الذي احتفظ بتقدم واسع يصل إلى 20 نقطة مئوية على الليبراليين لأكثر من عام، إلحاق الهزيمة بحكومة الأقلية (التي يقودها ترودو) في الهيئة التشريعية، من خلال اقتراح حجب الثقة، وإجراء انتخابات مبكرة، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل، حيث رفض الحزبان المعارضان الآخران الالتفاف حول حيلة المحافظين.
وقال رئيس شركة استطلاعات الرأي «إبسوس»، داريل بريكر: «لا توجد منطقة جغرافية أو قاعدة ناخبين توفر نقطة انطلاق واعدة لنهضة الليبراليين»، لافتاً إلى أن «المقاعد الليبرالية الآمنة أصبحت الآن قليلة ومتباعدة». عن «وول ستريت جورنال» الأميركية
تلاشي «السحر السياسي»
يتعين على الأحزاب الكندية الثلاثة المعارضة التصويت لهزيمة حكومة جاستن ترودو، في تصويت حجب الثقة.
وقد تأكدت حقيقة تلاشي «سحر ترودو السياسي» خلال الصيف، من خلال الخسائر في الانتخابات الخاصة لملء المناصب الشاغرة في تورنتو ومونتريال، اللتين كانتا تعدّان ذات يوم أساس دعم الحزب الليبرالي، بعد أن غادر الوزراء المعينون من قِبل ترودو الهيئة التشريعية.
• انخفاض شعبية ترودو يرجع جزئياً إلى تراكم الفضائح والفشل في التواصل مع الناخبين.
• ترودو من بين شاغلي المناصب الذين يواجهون ناخبين غاضبين في أعقاب «الجائحة» والقيود الاجتماعية المصاحبة لها.