هاريس وترامب يهددان قدرة «الإمبراطورية الأميركية» على البقاء

الإمبراطوريات العظيمة تسقط دائماً بدفع من قادتها، ولنتأمل هنا الدور الذي لعبه الليبراليون في تراجع بريطانيا، عندما انزلقوا إلى الحرب العالمية الأولى، الأمر الذي أدى إلى شل الإمبراطورية المهيمنة في العالم بشكل دائم، أو الضرر الذي لحق بفرنسا بسبب أخطاء نابليون الثالث الإمبريالية، أو تخبط الحكام المستبدين في الصين وروسيا وألمانيا في القرن الماضي.

والولايات المتحدة، التي لاتزال الإمبراطورية الحقيقية الوحيدة في العالم، تواجه الآن حقيقة وجود مرشحين رئاسيين غير جادين، هما كامالا هاريس ودونالد ترامب، حيث يهدد كل منهما قدرتها على البقاء. ويتعين على الأميركيين وما تبقى من العالم الليبرالي، أن يأملوا أن تنجو المزايا الغربية الجوهرية، في الديموغرافيا والتكنولوجيا والموارد، من رئاسة أي من هذين المرشحين.

إن الشخصيات نفسها ليست سوى أحد أعراض المشكلة، والواقع أن ترامب وهاريس، أو كير ستارمر وإيمانويل ماكرون، يعكسان إرهاق الغرب. وبالطبع لا يمكن مقارنة أي من هؤلاء بزعماء مثل روزفلت أو ترومان أو تشرشل أو تاتشر أو كينيدي أو ريغان أو حتى بلير أو كلينتون.

شكوك ذاتية

هل يلهم القادة السياسيون في الغرب الناخبين ويغيرون الأمور بالفعل نحو الأفضل؟ ليس كثيراً. وسواء كانت هذه البلدان يحكمها اليسار أو اليمين، فهناك مستويات قياسية من عدم الثقة بالمؤسسات في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا.

ويثور الناخبون ضد أشياء مثل سياسات المناخ القاسية أو الهجرة واسعة النطاق من البلدان النامية، والسياسات التي تفضلها النخب، يكرهها الناس العاديون على نطاق واسع.

وبالطبع، لا يكمن مصير العالم في أوروبا، التي تعاني تأخراً اقتصادياً وتكنولوجياً وديموغرافياً مستمراً. فعلى الرغم من كل مشكلاتها، تظل الولايات المتحدة مهيمنة. ولكن مثل أوروبا، تعاني الشكوك الذاتية، ونخبة فكرية سياسية لا تبدي حماساً كبيراً للنظام السياسي القائم أو الدستور الأميركي.

إن مستقبل الغرب قد يكمن في الولايات المتحدة، ولكن من المرجح أن يعمل الرئيس القادم على إضعاف نفوذها السياسي. إن رؤية ترامب هي عالم من الانتقام، والعودة إلى أيام المجد في الخمسينات. كما أن أفكاره بشأن التجارة عتيقة، فهو يفشل في تقدير الفوائد، فضلاً عن الإخفاقات المرتبطة بالتجارة الحرة نسبياً.

فقد عارض، على سبيل المثال، محاولة شركة «نيبون ستيل» اليابانية لشراء شركة «يو إس ستيل» الأميركية، على الرغم من المنافع الضخمة التي قد تجلبها للمجتمعات المحلية. وشخصية ترامب وحدها كافية لدفع معظم الأوروبيين والكنديين، وحتى حلفاء أميركا الآسيويين، إلى البحث عن أماكن أخرى، ربما سيلجأون إلى الصين.

يبدو أن ترامب وهاريس حريصان على استئناف سياسة الحماية، حتى عندما لا يكون ذلك منطقياً، ولكن من المرجح أن يهز ترامب الأمور أكثر من هاريس. إن إعادة انتخابه تهدد الصفقة المريحة التي عقدتها أوروبا مع حلف شمال الأطلسي، إضافة إلى استعداده لإبرام صفقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وإذا تخلى ترامب عن أوكرانيا، فإن ذلك سيجعل أطرافاً أخرى، لاسيما تايوان، غير متأكدة من الالتزام الأميركي، كما يمكن أن يقنعه جيل جديد من صقور الحزب الجمهوري بتغيير السياسات.

تفوق عالمي

ومع ذلك لم يكن ترامب مخدوعاً تماماً بشأن الشرق الأوسط، عندما كان رئيساً. وكانت له إنجازات لو التزم بها الرئيس جو بايدن، لكانت الأمور أفضل. وقد فعل ترامب ما كان يجب القيام به مع إيران، ففرض العقوبات، واغتال أهم قائد فيها.

في المقابل، تحيط هاريس نفسها، أكثر من بايدن، بأشخاص يتبنون سياسات تصالحية تجاه إيران.

ما الذي لا يفهمه هؤلاء الناس بشأن «الموت لأميركا»؟ حتى وسائل الإعلام التي يهيمن عليها الديمقراطيون، مثل «أتلانتيك»، تعترف بأن سياسات بايدن بشأن إيران فشلت في تحقيق الكثير. لكن التقدميين لا يشعرون بالقلق، فإدارة هاريس تضمن استمرار النهج نفسه.

إذاً، هل يمكن لهذين المرشحين قتل السلام الأميركي إلى الأبد؟ الخبر السار هو أن الصين، الخصم الرئيس للولايات المتحدة، لم تعد الدولة الواثقة التي كانت سريعة التوسع قبل عقد من الزمان، فهي تعاني انحداراً ديموغرافياً عميقاً، وفقاعة عقارية ذات أبعاد هائلة، وارتفاع معدلات البطالة، والطبقة المتوسطة الضخمة فيها محبطة بشكل متزايد. وروسيا هي حالة أسوأ، بعد أن فقدت الكثير من مواطنيها. وإيران أيضاً لديها صراعات اقتصادية وسياسية عميقة الجذور.

لكن المشكلة الأكبر تكمن في المواقف الغربية، ففي صراع من أجل التفوق العالمي، ما يعتقده الناس عن بلدهم ونظامهم أمر بالغ الأهمية، لقد كان هناك فقدان عميق للإيمان بالثقافة والقيم الغربية، خصوصاً بين الأميركيين والأوروبيين الأصغر سناً.

ومن المرجح أن تنعكس هذه الآراء بقوة أكبر في البيت الأبيض بقيادة هاريس، كما هي الحال في مكتب الزعيم العمالي في بريطانيا، ستارمر، حيث تتحول الأيديولوجية التقدمية إلى معارضة إرث «الماضي الاستعماري».

وتواجه الولايات المتحدة الآن صراعاً أكبر لعكس هذا الازدراء المتزايد للقيم الديمقراطية الليبرالية والمعايير الدستورية، وقد لا يمتلك الأميركيون القدرة على التعامل مع أربع سنوات أخرى من «الرداءة»، ولكن حتى الزعيم الأكثر كفاءة سيكافح لإحياء إيمان الناس بالقيم الغربية.  عن موقع «سبايكت» الأميركي


ذاكرة جيدة

للفوز على المسرح العالمي، يحتاج الناس إلى تبني ثقافتهم الخاصة كشيء يمنحهم الفخر والشعور بالهوية. وكما لاحظ المفكر جورج سافيل، ذات يوم، فإن الطبقة الحاكمة تحتاج إلى «ذاكرة جيدة». وفي الماضي، كانت الإمبراطوريات العظيمة مثل الرومان والبريطانيين والصينيين تحتفي بتراثها.

وهذا أصبح الآن خارج الموضة في أوروبا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال، يلقي المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية باللوم في إخفاقات القارة على «هيمنة العنصر الأبيض». وحظيت هذه النظرة بدعم كامل من المنشورات التقدمية المعتادة، مثل صحيفة «الغارديان». ففي الولايات المتحدة، يرفض أكثر من 30% من الديمقراطيين فكرة أن الولايات المتحدة هي أعظم دولة في العالم، مقارنة بأقل من 10% من الجمهوريين.

وفي الفصول الدراسية في مختلف أنحاء العالم، يتم إدراج مفاهيم مفادها أن الثقافات الغربية شريرة بطبيعتها. ومن عجيب المفارقات أن «معاداة الاستعمار» التي تتبناها وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية تقوض الإرث الليبرالي للغرب، وهو الشيء ذاته الذي يجتذب المهاجرين من الدول غير الليبرالية في كثير من الأحيان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى