روسيا تضع خطة «جيواقتصادية» لتحقيق أهدافها في أفغانستان

هدفت زيارة وزير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو إلى أفغانستان لتطوير ما أسمته «الشراكة الأوراسية الكبرى»، وهي رؤية استراتيجية كبرى تهدف إلى صياغة طرق تجارة وشراكات مؤسسية في آسيا.

ويعتبر البعض «الشراكة الأوراسية الكبرى» هي النسخة الروسية من سياسة «التحول إلى آسيا» التي تنتهجها الولايات المتحدة، وقد أعطت روسيا الأولوية للشراكة الأوراسية الكبرى منذ فرضت الولايات المتحدة والغرب على نطاق أوسع عقوبات غير مسبوقة على روسيا في عام 2022 بعد حرب أوكرانيا.

وقامت روسيا منذ ذلك الحين بتنشيط ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، المتوقف حتى الآن، بينها وبين الهند عبر إيران، مع ممرات فرعية عبر أذربيجان وبحر قزوين ووسط آسيا.

وسعت روسيا إلى دور إقليمي أكبر لمنظمة «شنغهاي للتعاون»، وهي منظمة سياسية واقتصادية وأمنية ودفاعية أوراسية أسستها روسيا والصين في عام 2001.

وتتعلق هذه التحركات بأفغانستان باعتبارها مراقباً في منظمة «شنغهاي للتعاون»، ومن خلال تجارتها مع الهند عبر مركز التعاون بين البلدين. وتقع أفغانستان في موقع استراتيجي عند مفترق طرق وسط وجنوب وغرب آسيا.

أولويات شويغو

وتركزت أولويات شويغو الملحة على توسيع التعاون العسكري التقني مع حركة طالبان الحاكمة حتى تتمكن من مكافحة تنظيم «داعش خراسان» بشكل أكثر فاعلية، والذي له وجود في أفغانستان، وقام أحد فروعه بهجمات على روسيا في الماضي.

ولتحقيق هذا الهدف تعهد شويغو بأن روسيا ستزيل «طالبان» من قائمة المنظمات الإرهابية، وهي إعادة تصنيف ستمكن الجانبين من تنسيق السياسات بشكل أفضل لاحتواء التهديدات الأمنية الإقليمية مثل تنظيم «داعش خراسان».

وبالتوازي مع ذلك، من المتوقع أن تشجع روسيا منظمة «شنغهاي للتعاون» على التعاون بصورة وثيقة مع أفغانستان بما فيها من خلال المزيد من تبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريبات المستقبلية لمكافحة الإرهاب.

وستقوم أفغانستان في الوقت ذاته، انطلاقاً من موقعها الاستراتيجي، بتسهيل التجارة الروسية وتصدير الطاقة إلى جنوب آسيا. ويجب على «طالبان» ضمان استقرار الأمن المحلي، كي يكون هذا الطريق التجاري موثوقاً به، وتطور علاقاتها مع باكستان على أمل أن تعمل باكستان والهند بالمقابل على تحسين علاقاتهما المتوترة منذ زمن بعيد أغلب الأوقات.

العلاقات الروسية الباكستانية

وتحسنت العلاقات الروسية الباكستانية كثيراً في السنوات الأخيرة، حيث تم تحقيق تقدم كبير في الأشهر الأخيرة، وقام نائب رئيس الحكومة الروسية، أليكسي أوفيرتشوك، بزيارة مدتها يومان إلى باكستان في شهر سبتمبر الماضي، في حين استضافت موسكو أول منتدى على الإطلاق للتجارة الروسية الباكستانية والاستثمار في بداية أكتوبر الماضي.

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لرئيس حكومة باكستان شهباز شريف، على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في طشقند في سبتمبر 2022: «نحن نهدف إلى توصيل الغاز عبر خط الأنابيب من روسيا إلى باكستان، وهذا ممكن أيضاً نظراً لحقيقة أن بعض البنية التحتية موجودة بالفعل في روسيا وكازاخستان وأوزبكستان».

ويمكن أن يمتد الأنبوب الروسي إلى الهند أيضاً إذا تحسنت العلاقات الباكستانية الهندية بالتوازي مع العلاقات الأفغانية الباكستانية، وحتى دون تحقيق تقدم في ما يتعلق باقتراح بوتين حول أنبوب الغاز يمكن لروسيا أن تحول أفغانستان إلى مركز إقليمي للنفط، بالنظر لتصور «طالبان»، وفق تقرير نشرته وكالة «رويترز» للأنباء.

مبادلة النفط بالمعادن

ويستند التقرير إلى ما قاله وزير الصناعة والتجارة الأفغاني بالوكالة، نورالدين عزيزي، لوكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء في أغسطس 2022، حول رغبة كابول في مقايضة مخزونها الغني من المعادن مقابل النفط الروسي. وكانت الولايات المتحدة قد أشارت في تقييماتها عام 2010 إلى أن أفغانستان لديها من الموارد المعدنية بما فيها «الليثيوم»، التي لم يجر استغلالها بعد، تقدر قيمتها بنحو تريليون دولار.

ويمكن القول إن الأمور تسير في طريقها الصحيح بالنسبة لروسيا لمبادلة النفط بالمعادن من أفغانستان، وتحويل الدولة إلى مركز نفطي إقليمي، ثم المساعدة في التوسط في حل النزاعات الأفغانية الباكستانية لتسهيل صادراتها النفطية إلى باكستان ووضع الأساس السياسي لبناء خط أنابيب.

وعلى الصعيد التجاري تم التوقيع على مذكرة تفاهم لإنشاء ممر نقل بين بيلاروسيا وروسيا وكازاخستان وأفغانستان وباكستان في أغسطس 2023.

وأشارت مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين باكستان وروسيا خلال زيارة أوفيرتشوك، في سبتمبر الماضي، إلى هذا الممر الذي يمكن وصفه بأنه «ممر أوراسيا» المبدئي، أو ممر منظمة شنغهاي للتعاون، بالنظر إلى موقعه الجغرافي وارتباطه المؤسسي.

ممر أوراسيا المركزي

ويمكن لهذه الأسباب القانونية أن تعجل خطط بناء خط سكة حديد باكستان أفغانستان أوزبكستان. ويمكن لممر أوراسيا المركزي و«منظمة شنغهاي للتعاون» مع وجود سكة الحديد المذكورة سابقاً كمركز له، أن يتوسع في نهاية المطاف إلى الهند، بشرط تحسين العلاقات مع باكستان.

وكان الهدف الرئيس من زيارة شويغو لأفغانستان استكشاف التعاون العسكري التقني الوثيق من أجل التعامل مع تنظيم «داعش في خراسان»، بعد رفع روسيا الوشيك لتصنيف «طالبان» كجماعة إرهابية. ويعد هذا التعاون بالغ الأهمية بالنسبة لخطط روسيا الطموحة لتحويل أفغانستان إلى جزء مكمل من مشروعها بشأن شراكة أوراسيا الكبرى من خلال إنشاء ممر نقل عابر للإقليم مع البنية التحتية للطاقة التكميلية.

ويمكن لهذا الممر الجديد أن يحفز باكستان والهند على حل الخلافات القديمة بينهما، والتي يمكن لروسيا التوسط، إذا طُلب منها ذلك. ويمكن لباكستان الاستفادة من تسهيل التجارة بين روسيا وآسيا الوسطى وأفغانستان مع الهند، في حين قد تتمكن الهند من تقليص الوقت والتكاليف اللازمة للتجارة مع الدول الثلاث عبر باكستان.

وإذا تم تحقيق أي من هذه المشاريع أو كلها، فإنها ستساعد روسيا على تجنب الاعتماد المفرط على الصين من خلال تعزيز الدور الذي تلعبه جنوب آسيا، خصوصاً باكستان والهند، في تحقيق التوازن.

ويمكن لكل هذه الخطوات السابقة، وفق وجهة نظر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب القادمة بعد نحو شهر إلى البيت الأبيض، أن تعزز الهدف المعلن للرئيس ترامب والمتمثل في «تفكيك» التحالف بين روسيا والصين على الرغم من أن بعض المسؤولين الأميركيين قد يسعون إلى عرقلة هذه الطموحات الروسية.

وبناء على كل هذه الاحتمالات يمكن اعتبار زيارة شويغو إلى كابول جزءاً من لعبة السلطة الرئيسة المصممة لتعزيز الهدف الاستراتيجي الأعلى لروسيا والمتمثل بأن تصبح دولة آسيوية رئيسة.

وبالطبع فإن هذه الخطط يمكن أن تواجه العراقيل إذا لم يتم هزيمة «داعش خراسان» بسرعة، وسيستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى لو تم ذلك، ولكن تحسن العلاقات الروسية الأفغانية قد يغير التوازن الجيوسياسي والجيواقتصادي في المنطقة إذا تم تحقيق جزء واحد فقط من خطط موسكو. عن «آسيا تايمز»

. يمكن اعتبار زيارة شويغو إلى كابول جزءاً من لعبة السلطة الرئيسة المصممة لتعزيز الهدف الاستراتيجي الأعلى لروسيا والمتمثل بأن تصبح دولة آسيوية رئيسة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى