في السنوات القليلة الماضية، شهدت “مشروبات الطاقة” تحوّلًا لافتًا في حضورها داخل السوق المغربية؛ إذ انتقلت من كونها منتجات محدودة الانتشار ومرتفعة الثمن وموجهة لفئة ضيقة من المستهلكين، إلى سلع متوفرة بكثرة ومنخفضة السعر وسهلة المنال حتى بالنسبة للأطفال.
هذا التحول اللافت في حضور مشروبات الطاقة وتزايد الإقبال عليها يفتح الباب أمام تساؤلات حول أبعاده وانعكاساته الصحية، خصوصا في ظل غياب معرفة دقيقة بمكوناتها، واستمرار استهلاكها دون ضوابط واضحة أو وعي بتأثيراتها الصحية على المدى البعيد.
مراجعات ودراسات علمية
دراسات علمية عديدة أجريت حول مشروبات الطاقة، من بينها مراجعة علمية لـ Grasser وآخرين أنجزت سنة 2016 تحت عنوان “Energy Drinks and Their Impact on the Cardiovascular System”، التي أشارت إلى أن “تناول مشروبات الطاقة يؤدي إلى زيادة في ضغط الدم ونبض القلب، ويرتبط بخلل محتمل في وظائف الأوعية الدموية”، مع دعوة إلى مزيد من الدراسات حول تأثيراتها بعيدة المدى على الجهاز القلبي الوعائي.
وأكّدت دراسة بعنوان “Do energy drinks increase blood pressure in adults without the diagnosis of hypertension?”، صدرت سنة 2022، أن “البالغين الأصحاء الذين يتناولون مشروبات طاقية يسجلون ارتفاعًا في الضغط الانقباضي بمعدل 4.4 ملم زئبق، ما يشير إلى أن حتى الأفراد غير المصابين بارتفاع ضغط الدم قد يتأثرون سلبيًا”.
وفي 2017، أشارت دراسة بعنوان “Randomized Controlled Trial of High-Volume Energy Drink Consumption” إلى أن “باحثين وجدوا، في تجربة سريرية محكمة أن استهلاك كميات كبيرة من مشروبات الطاقة يؤدي إلى تغيرات في كهرباء القلب وارتفاع في ضغط الدم، وهي تأثيرات تتجاوز ما يُحدثه الكافيين وحده، مما يعكس دور المكونات الأخرى مثل التورين”.
أما مراجعة تحمل عنوان “The Dark Side of Energy Drinks: A Comprehensive Review”، أجريت في 2023، فقد قدمت تحليلاً شاملاً لتأثيرات مشروبات الطاقة، موثّقة “حالات لتوقف القلب ومضاعفات في الكبد والدماغ بسبب الإفراط في الاستهلاك”، ودعت إلى “تقنين بيعها للفئات العمرية الصغيرة، ووضع حد أقصى للكمية المسموح بها”.
مخاطر صحية متنوعة
محمد أدهشور، أخصائي في التغذية العلاجية والسريرية، قال إن “الناس يقعون في خطأ شائع؛ إذ يخلطون بين المشروبات الطاقية ومشروبات الطاقة”، موضحا أن “المشروبات الطاقية موجهة أساسًا للرياضيين، لأنها تحتوي على السكريات والماء والأملاح المعدنية مثل الكالسيوم، البوتاسيوم، الصوديوم، والمغنيزيوم، وهذه المكونات تساعد الرياضيين على تعويض ما فقدوه خلال التمارين الرياضية”.
أما مشروبات الطاقة، المتوفرة في الأسواق، فقد أشار الأخصائي ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أنها “تحمل أسماء توحي بالقوة والتركيز، وهي غالبًا تحتوي على نسب مرتفعة من السكريات، إضافة إلى مواد مثل الكافيين والتورين والجينسينغ والغوارانا وفيتامين B، إلى جانب مكونات أخرى مجهولة التأثير على الصحة”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “هذا النوع من المشروبات قد يؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في دقات القلب، وارتفاع مؤقت في مستوى الطاقة، يليه انخفاض حاد، بسبب امتصاص الجسم للسكريات، ما يسبب إفراز الأنسولين وانخفاضًا سريعًا في نسبة السكر في الدم، يُعرف طبيًا بالانخفاض التفاعلي لنسبة السكر”.
وأوضح أدهشور أن “الانخفاض في نسبة السكر في الدم يدفع المستهلك إلى تناول عبوة أخرى، مما يزيد من الاعتماد على هذه المواد، ويرفع خطر التعود على مشروبات لا تُعرف آثارها الحقيقية على الصحة، لذلك، يُنصح الرياضيون بالابتعاد كليًا عن هذه المشروبات، لأنها لا علاقة لها بالأداء الرياضي الحقيقي”.
وقال: “أما بالنسبة للأشخاص العاديين، خصوصًا المراهقين أو من يستعدون للامتحانات، فلا يُنصح أبدًا بتناول هذه المشروبات بغرض زيادة النشاط أو التركيز، فهي تعطي طاقة مؤقتة تعتمد فقط على السكر والكافيين، ثم يليها هبوط حاد في النشاط، وإحساس بالخمول، كما أن احتواءها الكبير على الكافيين قد يؤدي إلى اضطرابات في النوم وجودته، وقد يُسبب خفقان القلب، أو مشكلات أخرى على المدى البعيد مثل التأثير السلبي على الكبد والقلب والشرايين”.
وأكّد الأخصائي في التغذية العلاجية والسريرية “ضرورة تجنّب هذه المشروبات قدر الإمكان، وعدم استهلاكها بشكل يومي، لأنها غير مفيدة إطلاقًا، ولا علاقة لها بالمشروبات التي تُستخدم في تحسين الأداء الرياضي الحقيقي، والتي تكون مدروسة التركيبة ومعروفة المكونات”، مشددا على “ضرورة الابتعاد عن مشروبات الطاقة التي تحتوي فقط على السكريات والمواد المنبهة، والتي لا تقدم أي فائدة حقيقية للصحة”.
